مسألة قال قائلون إذا اختلطت منكوحة بأجنبية
قال قائلون : إذا
اختلطت منكوحة بأجنبية وجب الكف عنهما .
لكن الحرام هي الأجنبية والمنكوحة حلال ويجب الكف عنها . وهذا متناقض ، بل ليس الحرمة والحل وصفا ذاتيا لهما بل هو متعلق بالفعل ، فإذا حرم فعل الوطء فيهما فأي معنى لقولنا وطء المنكوحة حلال ووطء الأجنبية حرام ؟ بل هما حرامان إحداهما بعلة الأجنبية والأخرى بعلة الاختلاط بالأجنبية ، فالاختلاف في العلة لا في الحكم .
وإنما وقع هذا في الأوهام من حيث ضاهى الوصف بالحل والحرمة الوصف بالعجز والقدرة والسواد والبياض والصفات الحسية ، وذلك وهم نبهنا عليه إذ ليست الأحكام صفات للأعيان أصلا ; بل نقول : إذا
اشتبهت رضيعة بنساء بلدة فنكح واحدة حلت واحتمل أن تكون هي الرضيعة في علم الله تعالى ; ولا نقول إنها ليست في علم الله تعالى زوجة له ، إذ لا معنى للزوجة إلا من حل وطؤها بنكاح ، وهذه قد حل وطؤها فهي حلال عنده وعند الله تعالى .
ولا نقول هي حرام عند الله تعالى وحلال عنده في ظنه ، بل إذا ظن الحل فهي حلال عند الله تعالى وسيأتي تحقيق هذا في مسألة تصويب المجتهد . أما إذا
قال لزوجتيه : " إحداكما طالق " فيحتمل أن يقال يحل وطؤهما والطلاق غير واقع ; لأنه لم يعين له محلا فصار كما إذا باع أحد عبديه ، ويحتمل أن يقال حرمتا جميعا فإنه لا يشترط تعيين محل الطلاق ثم عليه التعيين وإليه ذهب أكثر الفقهاء ، والمتبع في ذلك موجب ظن المجتهد أما المصير إلى أن إحداهما محرمة والأخرى منكوحة كما توهموه في اختلاط المنكوحة بالأجنبية فلا ينقدح ههنا ; لأن ذلك جهل من الآدمي عرض بعد التعيين ، وأما هنا فليس متعينا في نفسه بل يعلمه الله تعالى مطلقا لإحداهما لا بعينها .
فإن قيل : إذا وجب عليه التعيين فالله تعالى يعلم ما سيعينه فتكون هي المحرمة المطلقة بعينها في علم الله تعالى ، وإنما هو مشكل علينا .
قلنا : الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فلا يعلم الطلاق الذي لم يعين محله متعينا بل يعلمه قابلا للتعيين إذا عينه المطلق ، ويعلم أنه سيعين زينب مثلا ، فيتعين الطلاق بتعيينه إذا عين لا قبله .
وكذلك نقول في
الواجب المخير : الله تعالى يعلم ما سيفعله العبد من خلال الكفارة ولا يعلمه واجبا بعينه بل واجبا غير معين في الحال ، ثم يعلم صيرورته متعينا بالتعيين بدليل أنه لم يعلم أنه يموت
[ ص: 59 ] قبل التكفير وقبل التعيين فيعلم الوجوب والطلاق على ما هو عليه من عدم التعيين .