مسألة الجائز لا يتضمن الأمر والمباح غير مأمور به
كما فهمت أن الواجب لا يتضمن الجواز
فافهم أن
الجائز لا يتضمن الأمر وأن المباح غير مأمور به لتناقض حديهما كما سبق ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13902للبلخي فإنه قال : المباح مأمور به لكنه دون الندب ، كما أن الندب مأمور به لكنه دون الواجب . وهذا محال إذ الأمر اقتضاء وطلب والمباح غير مطلوب بل مأذون فيه ومطلق له ، فإن استعمل لفظ الأمر في الإذن فهو تجوز . فإن قيل : ترك الحرام واجب والسكوت المباح يترك به الحرام من الزنا والسرقة ، والسكوت المباح أو الكلام المباح يترك به الكفر والكذب ، وترك الكفر والكذب والزنا مأمور به .
قلنا قد يترك بالندب حرام فليكن واجبا ، وقد يترك بالحرام حرام آخر فليكن الشيء الواحد واجبا حراما ، وهو تناقض ، ويلزم هذا على مذهب من زعم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده ، بل يلزم عليه كون الصلاة حراما إذا تحرم بها من ترك الزكاة
[ ص: 60 ] الواجبة ; لأنه أحد أضداد الواجب وكل ذلك قياس مذهب هؤلاء ، لكنهم لم يقولوا به .
فإن قيل : فالمباح هل يدخل تحت التكليف وهل هو من التكاليف ؟ قلنا : إن كان التكليف عبارة عن طلب ما فيه كلفة فليس ذلك في المباح ، وإن أريد به ما عرف من جهة الشرع إطلاقه والإذن فيه فهو تكليف ، وإن أريد به أنه الذي كلف اعتقاد كونه من الشرع فقد كلف ذلك لكن لا بنفس الإباحة بل بأصل الإيمان .
وقد سماه
الأستاذ أبو إسحاق رحمه الله تكليفا بهذا التأويل الأخير ، وهو بعيد مع أنه نزاع في اسم . فإن قيل : فهل المباح حسن ؟ قلنا : إن كان الحسن عبارة عما لفاعله أن يفعله فهو حسن ، وإن كان عبارة عما أمر بتعظيم فاعله والثناء عليه أو وجب اعتقاد استحقاقه للثناء والقبيح ما يجب اعتقاد استحقاق صاحبه للذم أو العقاب فليس المباح بحسن .
واحترزنا باعتقاد الاستحقاق عن
معاصي الأنبياء فقد دل الدليل على وقوعها منهم ولم يؤمر بإهانتهم وذمهم ، لكنا نعتقد استحقاقهم لذلك مع تفضل الله تعالى بإسقاط المستحق من حيث أمرنا بتعظيمهم والثناء عليهم