مسألة : قال قائل : ليس من شرط الأمر عندكم كون المأمور موجودا
فإن قال قائل : ليس من شرط الأمر عندكم كون المأمور موجودا .
إذ
قضيتم بأن الله تعالى آمر في الأزل لعباده قبل خلقهم ، فكيف شرطتم كون المكلف سميعا عاقلا والسكران والناسي والصبي والمجنون أقرب إلى التكليف من المعدوم ؟ قلنا : ينبغي أن يفهم معنى قولنا إن الله تعالى آمر وإن المعدوم مأمور ، فإنا نعني به أنه مأمور على تقدير الوجود أنه مأمور في حالة العدم ، إذ ذلك محال ; لكن أثبت الذاهبون إلى إثبات كلام النفس أنه لا يبعد أن يقوم بذات الأب طلب تعلم العلم من الولد الذي سيوجد ، وإنه لو قدر بقاء ذلك الطلب حتى وجد الولد صار الولد مطالبا بذلك الطلب ومأمورا به ، فكذلك المعنى القائم بذات الله تعالى الذي هو اقتضاء الطاعة من العباد قديم تعلق بعباده على تقدير وجودهم ، فإذا وجدوا صاروا مأمورين بذلك الاقتضاء .
ومثل هذا جار في حق الصبي والمجنون ، فإن انتظار العقل لا يزيد على انتظار الوجود . ولا يسمى هذا المعنى في الأزل خطابا إنما يصير خطابا إذا وجد المأمور وأسمع . وهل يسمى أمرا ؟ فيه خلاف ، والصحيح أنه يسمى به إذ يحسن أن يقال فيمن أوصى أولاده بالتصدق بماله أن يقال فلان أمر أولاده بكذا وإن كان بعض أولاده مجتنا في البطن أو معدوما ، ولا يحسن أن يقال خاطب أولاده إلا إذا حضروا وسمعوا ، ثم إذا أوصى فنفذوا وصيته يقال : قد أطاعوه وامتثلوا أمره ; مع أن الآمر الآن معدوم والمأمور كان وقت وجود الآمر معدوما .
وكذلك نحن الآن بطاعتنا ممتثلون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدوم عن عالمنا هذا وإن كان حيا عند الله تعالى ، فإذا لم يكن وجود الأمر شرطا لكون المأمور مطيعا ممتثلا ، فلم يشترط وجود المأمور لكون الأمر أمرا فإن قيل : أفتقولون إن الله تعالى في الأزل آمر للمعدوم على وجه الإلزام ،
قلنا : نعم ، نحن نقول هو آمر لكن على تقدير الوجود كما يقال الوالد موجب وملزم على أولاده التصدق إذا عقلوا وبلغوا ،
[ ص: 69 ] فيكون الإلزام والإيجاب حاصلا ولكن بشرط الوجود والقدرة ولو قال لعبده : صم غدا فقد أوجب وألزم في الحال صوم الغد ، ولا يمكن صوم الغد في الوقت بل في الغد وهو موصوف بأنه ملزم وموجب في الحال .