مسألة : في القرآن محكم ومتشابه
القرآن محكم ومتشابه
كما قال تعالى {
منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } . واختلفوا في معناه . وإذا لم يرد توقيف في بيانه فينبغي أن يفسر بما يعرفه أهل اللغة ويناسب اللفظ من حيث الوضع ، ولا يناسبه قولهم : المتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور والمحكم ما وراء ذلك ، ولا قولهم : المحكم ما يعرفه الراسخون في العلم والمتشابه ما ينفرد الله تعالى بعلمه ، ولا قولهم : المحكم الوعد والوعيد والحلال والحرام والمتشابه القصص والأمثال ، وهذا أبعد .
بل الصحيح أن المحكم يرجع إلى معنيين
أحدهما : المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال والمتشابه ما تعارض فيه الاحتمال
الثاني : أن المحكم ما انتظم وترتب ترتيبا مفيدا على ما ظاهر أو على تأويل ما لم يكن فيه متناقض ومختلف ، لكن هذا المحكم يقابله المثبج والفاسد دون المتشابه ، وأما المتشابه فيجوز أن يعبر به عن الأسماء المشتركة كالقرء وكقوله تعالى {
الذي بيده عقدة النكاح } فإنه مردد بين الزوج والولي ، وكاللمس المردد بين المس والوطء .
وقد يطلق على ما ورد في صفات الله مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه ويحتاج إلى تأويله . فإن قيل : قوله تعالى {
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } الواو للعطف أم الأولى الوقف على الله ؟ قلنا كل واحد محتمل ، فإن كان المراد به وقت القيامة فالوقف أولى وإلا فالعطف ، إذ الظاهر أن الله تعالى لا يخاطب
العرب بما لا سبيل إلى معرفته لأحد من الخلق .
فإن قيل : فما معنى الحروف في أوائل السور ، إذ لا يعرف أحد معناها ؟ قلنا : أكثر الناس فيها وأقربها أقاويل ، أحدها : أنها أسامي السور حتى تعرف بها ، فيقال سورة يس . وقيل : ذكرها الله تعالى لجمع دواعي
العرب إلى الاستماع ; لأنها تخالف عادتهم فتوقظهم عن الغفلة حتى تصرف قلوبهم إلى الإصغاء فلم يذكرها لإرادة معنى .
وقيل : إنما ذكرها كناية عن سائر حروف المعجم التي لا يخرج عنها جميع كلام
العرب تنبيها أنه ليس يخاطبهم إلا بلغتهم وحروفهم . وقد ينبه ببعض الشيء على كله ، يقال : قرأ سورة البقرة وأنشد " ألا هبي " يعني جميع السورة والقصيدة قال الشاعر :
يناشدني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم
كنى بحاميم عن القرآن فقد ثبت أنه ليس في القرآن ما لا تفهمه
العرب .
فإن قيل
[ ص: 86 ] العرب إنما تفهم من قوله تعالى : {
وهو القاهر فوق عباده } و {
الرحمن على العرش استوى } الجهة والاستقرار وقد أريد به غيره فهو متشابه . قلنا : هيهات فإن هذه كنايات واستعارات يفهمها المؤمنون من
العرب المصدقين بأن الله تعالى {
ليس كمثله شيء } وأنها مؤولة تأويلات تناسب تفاهم العرب .