مسألة : الزيادة على النص نسخ
الزيادة على النص نسخ عند قوم وليست بنسخ عند قوم
والمختار عندنا التفصيل فنقول ينظر إلى تعلق الزيادة بالمزيد عليه . والمراتب فيه ثلاثة :
الأولى : أن يعلم أنه لا يتعلق به كما إذا أوجب الصلاة والصوم ثم أوجب الزكاة والحج لم يتغير حكم المزيد عليه ، إذ بقي وجوبه وإجزاؤه ، والنسخ هو رفع حكم وتبديل ولم يرتفع .
الرتبة الثانية : وهي في أقصى البعد عن الأولى أن تتصل الزيادة بالمزيد عليه اتصال اتحاد يرفع التعدد والانفصال كما
لو زيد في الصبح ركعتان ، فهذا نسخ إذ كان حكم الركعتين الإجزاء والصحة وقد ارتفع .
نعم الأربعة استؤنف إيجابها ولم تكن واجبة ، وهذا ليس بنسخ إذ المرفوع هو الحكم الأصلي دون الشرعي . فإن قيل : اشتملت الأربعة على الثنتين وزيادة فهما قارتان لم ترفعا وضمت إليهما ركعتان . قلنا : النسخ رفع الحكم لا رفع المحكوم فيه فقد كان من حكم الركعتين الإجزاء والصحة وقد ارتفع ، كيف وقد بينا أنه ليس الأربعة ثلاثا وزيادة بل هي نوع آخر ؟ إذ لو كان لكانت الخمسة أربعة وزيادة . فإذا أتى بالخمسة فينبغي أن تجزئ ولا صائر إليه .
الرتبة الثالثة : وهي بين المرتبتين زيادة عشرين جلدة على ثمانين جلدة في القذف ، وليس انفصال هذه الزيادة كانفصال الصوم عن الصلاة ولا اتصالها كاتصال الركعات .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : هو نسخ ، وليس بصحيح بل هو بالمنفصل أشبه ; لأن الثمانين نفي وجوبها وإجزاؤها عن نفسها ووجبت زيادة عليها مع بقائها فالمائة ثمانون وزيادة ، ولذلك لا ينتفي الإجزاء عن الثمانين بزيادة عليها بخلاف الصلاة . وفائدة هذه المسألة جواز إثبات
التغريب بخبر الواحد عندنا ومنعه عندهم ، لأن
القرآن لا ينسخ بخبر الواحد . فإن قيل : قد كانت الثمانون حدا كاملا فنسخ اسم الكمال رفع لحكمه لا محالة .
قلنا هو رفع ، ولكن ليس ذلك حكما مقصودا شرعيا بل المقصود وجوده وإجزاؤه وقد بقي كما كان ، فلو أثبت مثبت كونه حكما مقصودا شرعيا لامتنع نسخه بخبر الواحد ، بل هو كما لو أوجب الشرع الصلاة فقط فمن أتى بها فقد أدى كلية ما أوجبه الله تعالى عليه بكماله ، فإذا أوجب الصوم خرجت الصلاة عن كونها كلية الواجب لكن ليس هذا حكما مقصودا . فإن قيل : هو نسخ لوجوب الاقتصار على الثمانين ، لأن إيجاب الثمانين مانع من الزيادة .
قلنا ليس
[ ص: 95 ] منع الزيادة بطريق المنطوق بل بطريق المفهوم ولا يقولون به ولا نقول به ههنا ثم رفع المفهوم كتخصيص العموم ، فإنه رفع بعض مقتضى اللفظ فيجوز بخبر الواحد . ثم إنما يستقيم هذا لو ثبت أنه ورد حكم المفهوم واستقر ثم ورد التغريب بعده ، وهذا لا سبيل إلى معرفته ، بل لعله ورد بيانا لإسقاط المفهوم متصلا به أو قريبا منه . فإن قيل : التفسيق ورد الشهادة يتعلق بالثمانين ، فإذا زيد عليها زال تعلقه بها .
قلنا : يتعلق التفسيق ورد الشهادة بالقذف لا بالحد ، ولو سلمنا لكان ذلك حكما تابعا للحد لا مقصودا وكان كحل النكاح بعد انقضاء أربعة أشهر وعشر من عدة الوفاة ، وتصرف الشرع في العدة بردها من حول إلى أربعة أشهر وعشر ليس تصرفا في إباحة النكاح بل في نفس العدة والنكاح تابع . فإن قيل : فلو أمر بالصلاة مطلقا ثم زيد شرط الطهارة فهل هو نسخ ؟ قلنا : نعم ، لأنه كان حكم الأول إجزاء الصلاة بغير طهارة فنسخ إجزاؤها وأمر بصلاة مع طهارة .
فإن قيل : فيلزمكم المصير إلى إجزاء
طواف المحدث ; لأنه تعالى قال : {
وليطوفوا بالبيت العتيق } ولم يشرط الطهارة
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمه الله منع الإجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14566الطواف بالبيت صلاة } وهو خبر الواحد
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله قضى بأن هذا الخبر يؤثر في إيجاب الطهارة أما في إبطال الطواف وإجزائه وهو معلوم بالكتاب فلا . قلنا لو استقر قصد العموم في الكتاب واقتضى إجزاء الطواف محدثا ومع الطهارة فاشتراط الطهارة رفع ونسخ ولا يجوز بخبر الواحد ، ولكن قوله تعالى : {
وليطوفوا بالبيت العتيق } يجوز أن يكون أمرا بأصل الطواف ويكون بيان شروطه موكولا إلى الرسول عليه السلام ، فيكون قوله بيانا وتخصيصا للعموم لا نسخا ، فإنه نقصان من النص لا زيادة على النص ، لأن عموم النص يقتضي إجزاء الطواف بطهارة وغير طهارة فأخرج خبر الواحد أحد القسمين من لفظ القرآن فهو نقصان من النص لا زيادة عليه ، ويحتمل أن يكون رفعا إن استقر العموم قطعا وبيانا إن لم يستقر ، ولا معنى لدعوى استقراره بالتحكم .
وهذا نظير قوله تعالى : {
فتحرير رقبة } ، فإنه يعم المؤمنة وغير المؤمنة ، فيجوز تخصيص العموم إذ قد يراد بالآية ذكر أصل الكفارة ويكون أمرا بأصل الكفارة دون قيودها وشروطها ، فلو استقر العموم وحصل القطع يكون العموم مرادا لكان نسخه ورفعه بالقياس وخبر الواحد ممتنعا . فإن قيل : فما قولكم في تجويز المسح على الخفين هل هو نسخ لغسل الرجلين ؟ قلنا : ليس نسخا لإجزائه ولا لوجوبه لكنه نسخ لتضييق وجوبه وتعينه وجاعل إياه أحد الواجبين ، ويجوز أن يثبت بخبر الواحد .
فإن قيل : فالكتاب أوجب غسل الرجلين على التضييق . قلنا : قد بقي تضييقه في حق من لم يلبس خفا على الطهارة وأخرج من عمومه من لبس الخف على الطهارة ، وذلك في ثلاثة أيام أو يوم وليلة . فإن قيل : فقوله تعالى : {
واستشهدوا شهيدين من رجالكم } الآية ، توجب إيقاف الحكم على شاهدين ، فإذا
حكم بشاهد ويمين بخبر الواحد فقد رفع إيقاف الحكم فهو نسخ .
قلنا : ليس كذلك ، فإن الآية لا تقتضي إلا كون الشاهدين حجة وجواز الحكم بقولهما ، أما امتناع الحكم بحجة أخرى فليس من الآية بل هو
كالحكم بالإقرار ، وذكر حجة واحدة لا يمنع وجود حجة أخرى . وقولهم ظاهر
[ ص: 96 ] الآية أن لا حجة سواه ، فليس هذا ظاهر منطوقه ولا حجة عندهم بالمفهوم ، ولو كان فرفع المفهوم رفع بعض مقتضى اللفظ وكل ذلك لو سلم استقرار المفهوم وثباته ، وقد ورد خبر الشاهد واليمين بعده وكل ذلك غير مسلم