فصل [
علماء الأمة على ضربين ]
ولما كانت الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله شعار حزبه المفلحين ، وأتباعه من العالمين ، كما قال تعالى : {
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله ، وما أنا من المشركين } وكان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه كان العلماء من أمته منحصرين في قسمين :
أحدهما : حفاظ الحديث ، وجهابذته ، والقادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام ، الذين حفظوا على الأئمة معاقد الدين ومعاقله ، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله ، حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشبها الآراء تغييرا ، ووردوا فيها {
عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا } ، وهم الذين قال فيهم الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ; فنعوذ بالله من فتنة المضلين
[ ص: 8 ]
فصل [ فقهاء الإسلام ومنزلتهم ]
القسم الثاني :
فقهاء الإسلام ، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام ، الذين خصوا باستنباط الأحكام ، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام ; فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء ، بهم يهتدي الحيران في الظلماء ، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب ، قال الله تعالى : {
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } قال
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس في إحدى الروايتين عنه
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد في إحدى الروايتين عنه : أولو الأمر هم العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في الرواية الأخرى
nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم والسدي nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل : هم الأمراء ، وهو الرواية الثانية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد [ طاعة الأمراء تابعة لطاعة العلماء ]
والتحقيق أن
الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم ; فطاعتهم تبع لطاعة العلماء ; فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم ، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء ، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء ، وكان الناس كلهم لهم تبعا ، كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين ، وفساده بفسادهما ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك وغيره من السلف : صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس ، قيل : من هم ؟ قال : الملوك ، والعلماء كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها