فصل :
[ الحكمة في الجمع بين المختلفات في الحكم متى اتفقت في موجبه ]
وأما قوله " إن الشريعة جمعت بين المختلفات ، كما جمعت بين الخطأ والعمد في ضمان الأموال " فغير منكر في العقول والفطر والشرائع والعادات اشتراك المختلفات في حكم واحد باعتبار اشتراكها في سبب ذلك الحكم ; فإنه لا مانع من اشتراكها في أمر يكون علة لحكم من الأحكام ، بل هذا هو الواقع ، وعلى هذا فالخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علة للضمان ، وإن افترقا في علة الإثم ، وربط الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها ، وهو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به ، كما أوجب على القاتل خطأ دية القتيل ; ولذلك لا يعتمد التكليف فيضمن
الصبي والمجنون والنائم ما أتلفوه من الأموال ، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها ; فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض ، وادعى الخطأ وعدم القصد . وهذا بخلاف أحكام الإثم والعقوبات ; فإنها تابعة للمخالفة وكسب العبد ومعصيته ; ففرقت الشريعة فيها بين العامد والمخطئ ، وكذلك البر والحنث في الأيمان فإنه نظير الطاعة والعصيان في الأمر والنهي ; فيفترق الحال فيه بين العامد والمخطئ .
[ ص: 117 ]
وأما جمعها بين المكلف وغيره في الزكاة فهذه مسألة نزاع واجتهاد ، وليس عن صاحب الشرع نص بالتسوية ولا بعدمها ، والذين سووا بينهما رأوا ذلك من حقوق الأموال التي جعل الله سبحانه الأموال سببا في ثبوتها ، وهي حق للفقراء في نفس هذا المال ، سواء كان مالكه مكلفا أو غير مكلف ، كما جعل في ماله حق الإنفاق على بهائمه ورقيقه وأقاربه ; فكذلك جعل في ماله حقا للفقراء والمساكين .