فصل :
[ المتزين بما ليس فيه وعقوبته ]
وأما قوله : "
ومن تزين بما ليس فيه شانه الله " لما كان المتزين بما ليس فيه ضد المخلص - فإنه يظهر للناس أمرا وهو في الباطن بخلافه - عامله الله بنقيض قصده ; فإن المعاقبة بنقيض القصد ثابتة شرعا وقدرا ، ولما كان المخلص يعجل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس عجل للمتزين بما ليس فيه من عقوبته أن شانه الله بين الناس ; لأنه شان باطنه عند الله ، وهذا موجب أسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وحكمته في قضائه وشرعه .
هذا ، ولما كان من تزين للناس بما ليس فيه من الخشوع والدين والنسك والعلم وغير ذلك قد نصب نفسه للوازم هذه الأشياء ومقتضياتها فلا بد أن تطلب منه ، فإذا لم توجد عنده افتضح ، فيشينه ذلك من حيث ظن أنه يزينه ، وأيضا فإنه أخفى عن الناس ما أظهر لله خلافه ، فأظهر الله من عيوبه للناس ما أخفاه عنهم ، جزاء له من جنس عمله ، وكان بعض
[ ص: 124 ] الصحابة يقول : أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قالوا : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع ; وأساس النفاق وأصله هو التزين للناس بما ليس في الباطن من الإيمان ; فعلم أن هاتين الكلمتين من كلام أمير المؤمنين مشتقة من كلام النبوة ، وهما من أنفع الكلام ، وأشفاه للسقام .