المثال الثاني والعشرون :
رد حديث القسامة الصحيح الصريح المحكم بالمتشابه من قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33700لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه } والذي شرع الحكم بالقسامة هو الذي شرع أن لا يعطى أحد بدعواه المجردة ، وكلا الأمرين حق من عند الله ، لا اختلاف فيه ، ولم يعط في القسامة بمجرد الدعوى ، وكيف يليق بمن بهرت حكمة شرعه العقول أن لا يعطي المدعي بمجرد دعواه عودا من أراك ثم يعطيه بدعوى مجردة دم أخيه المسلم ؟ وإنما أعطاه ذلك بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقه فوق تغليب الشاهدين ، وهو اللوث والعداوة والقرينة الظاهرة من وجود العدو مقتولا في بيت عدوه ، فقوى الشارع الحكيم هذا السبب باستحلاف خمسين من أولياء القتيل الذين يبعد أو يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بذم ليس منه
[ ص: 238 ] بسبيل ولا يكون فيهم رجل رشيد يراقب الله ؟ ولو عرض على جميع العقلاء هذا الحكم والحكم بتحليف العدو الذي وجد القتيل في داره بأنه ما قتله لرأوا أن ما بينهما من العدل كما بين السماء والأرض ، ولو سئل كل سليم الحاسة عن قاتل هذا لقال من وجد في داره ، والذي يقضي منه العجب أن يرى قتيل يتشحط في دمه وعدوه هارب بسكين ملطخة بالدم ويقال : القول قوله ، فيستحلفه بالله ما قتله ويخلي سبيله ، ويقدم ذلك على أحسن الأحكام وأعدلها وألصقها بالعقول والفطر ، الذي لو اتفقت العقلاء لم يهتدوا لأحسن منه ، بل ولا لمثله . وأين ما تضمنه الحكم بالقسامة من حفظ الدماء إلى ما تضمنه تحليف من لا يشك مع القرائن التي تفيد القطع أنه الجاني ؟ .
ونظير هذا إذا
رأينا رجلا من أشراف الناس حاسر الرأس بغير عمامة وآخر أمامه يشتد عدوا وفي يده عمامة وعلى رأسه أخرى ; فإنا ندفع العمامة التي بيده إلى حاسر الرأس ونقبل قوله ، ولا نقول لصاحب اليد : القول قولك مع يمينك .
وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33700لو يعطى الناس بدعواهم } لا يعارض القسامة بوجه ; فإنه إنما نفى الإعطاء بدعوى مجردة . وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15849ولكن اليمين على المدعى عليه } هو في مثل هذه الصورة حيث لا تكون مع المدعي إلا مجرد الدعوى ، وقد دل القرآن على رجم المرأة بلعان الزوج إذا نكلت ، وليس ذلك إقامة للحد بمجرد أيمان الزوج ، بل بها وبنكولها ، وهكذا في القسامة إنما يقبل فيها باللوث الظاهر والأيمان المتعددة المغلظة ، وهاتان بينتا هذين الموضعين ، والبينات تختلف بحسب حال المشهود به كما تقدم بأربعة شهود ، وثلاثة ، بالنص وإن خالفه من خالفه في بينة الإعسار ، واثنان ، وواحد ويمين ، ورجل وامرأتان ، ورجل واحد ، وامرأة واحدة ، وأربعة أيمان ، وخمسون يمينا ، ونكول وشهادة الحال ، ووصف المالك اللقطة ، وقيام القرائن ، والشبه الذي يخبر به القائف ، ومعاقد القمط ، ووجوه الآجر في الحائط ، وكونه معقودا ببناء أحدهما عند من يقول بذلك ; فالقسامة مع اللوث أقوى البينات .