صفحة جزء
[ الجهر في صلاة الكسوف ]

المثال الحادي والخمسون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الجهر في صلاة الكسوف ، كما في صحيح البخاري من حديث الأوزاعي عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف } .

قال البخاري : تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري - قلت : أما حديث سليمان بن كثير ففي مسند أبي داود الطيالسي حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف } .

وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن [ ص: 267 ] الزهري ، وهو في الصحيحين ، أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عروة عن عائشة : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا أن الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وافتتح القرآن وقرأ قراءة طويلة يجهر بها } فذكر الحديث .

قال البخاري : حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة - قلت : يريد قول سمرة : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف لم نسمع له صوتا }

وهو أصرح منه بلا شك ، وقد تضمن زيادة الجهر ; فهذه ثلاث ترجيحات ، والذي ردت به هذه السنة المحكمة هو المتشابه من قول ابن عباس : { أنه صلى الكسوف فقرأ نحوا من سورة البقرة } قالوا : فلو سمع ما قرأ لم يقدره بسورة البقرة .

وهذا يحتمل وجوها ; أحدها : أنه لم يجهر ، الثاني : أنه جهر ولم يسمعه ابن عباس ، الثالث : أنه سمع ولم يحفظ ما قرأ به فقدره بسورة البقرة ; فإن ابن عباس لم يجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جمعه بعده ، الرابع : أن يكون نسي ما قرأ به وحفظ قدر قراءته ، فقدرها بالبقرة ، ونحن نرى الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه ، فكيف يقدم هذا اللفظ المجمل على الصريح المحكم الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا ؟ ومن العجب أن أنسا روى ترك جهر النبي صلى الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولم يصح عن صحابي خلافه ، فقلتم : كان صغيرا يصلي خلف الصفوف فلم يسمع البسملة ، وابن عباس أصغر سنا منه بلا شك وقدمتم عدم سماعه للجهر على من سمعه صريحا ، فهلا قلتم ، كان صغيرا فلعله صلى خلف الصف فلم يسمعه جهر ؟

وأعجب من هذا قولكم : أن أنسا كان صغيرا لم يسمع تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لبيك حجا وعمرة } وقدمتم قول ابن عمر عليه أنه أفرد الحج ، وأنس إذ ذاك له عشرون سنة ، وابن عمر لم يستكملها وهو بسن أنس ، وقوله : " أفرد الحج " مجمل ، وقول أنس : " سمعته يقول { لبيك عمرة وحجا } محكم مبين صريح لا يحتمل غير ما يدل عليه ، وقد قال ابن عمر : { تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج } ، فقدمتم على حديث أنس الصحيح الصريح المحكم الذي لم يختلف عليه فيه حديثا ليس مثله في الصراحة والبيان ، ولم يذكر رواية لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف عليه فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية