فصل [
حكم جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ]
المثال السابع : أن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن خليفته
أبي بكر وصدرا من خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة ، كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس ; فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاوس عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27291كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وسنتين من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم } ، وفي صحيحه أيضا عن طاوس أن
nindex.php?page=showalam&ids=16237أبا الصهباء قال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : ألم تعلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2548أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وثلاثا من إمارة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر } ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نعم " وفي صحيحه أيضا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16237أبا الصهباء قال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : هات من هناتك ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1771ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر واحدة ، فقال : قد كان ذلك ، فلما كان في عهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر تتابع الناس في الطلاق ، فأجازه عليهم } .
وفي سنن أبي داود عن طاوس أن رجلا يقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16237أبو الصهباء كان كثير السؤال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ، فقال : أما علمت {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2587أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وصدرا من إمارة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وصدرا من إمارة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال : أجيزوهن عليهم } .
وفي مستدرك الحاكم من حديث
عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة أن
أبا الجوزاء أتى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال : أتعلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2550أن الثلاث كن يرددن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واحدة } ؟ قال : نعم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : هذا حديث صحيح ، وهذه غير طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=16237أبي الصهباء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد بن إبراهيم ، ثنا أبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن
عكرمة مولى ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21325طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، قال : فسأله رسول الله : كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا ، قال : فقال : في مجلس واحد ؟ قال : نعم ، قال : فإنما تلك [ ص: 32 ] واحدة ، فأرجعها إن شئت ، قال : فراجعها } . فكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر ، وقد صحح
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه فقال في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3318أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على ابن أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد } : هذا حديث ضعيف ، أو قال : واه لم يسمعه
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج من
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، وإنما سمعه من
محمد بن عبد الله العزرمي ،
والعزرمي لا يساوي حديثه شيئا ، والحديث الذي رواه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2871أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول } وإسناده عنده هو إسناد حديث
ركانة بن عبد يزيد . هذا وقد قال
الترمذي فيه : ليس بإسناده بأس ، فهذا إسناد صحيح عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وليس به بأس عند
الترمذي ; فهو حجة ما لم يعارضه ما هو أقوى منه ، فكيف إذا عضده ما هو نظيره أو أقوى منه ؟ وقال
أبو داود : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرني بعض بني
nindex.php?page=showalam&ids=96أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن
عكرمة مولى ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21333طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة ، ونكح امرأة من مزينة ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ، ففرق بيني وبينه ، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته ، ثم قال لجلسائه : أترون فلانا يشبه كذا وكذا من عبد يزيد وفلانا منه كذا وكذا ؟ قالوا : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد : طلقها ففعل ، فقال : راجع امرأتك أم ركانة وإخوته ، فقال : إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال : قد علمت ، راجعها ، وتلا : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } } .
وقال
أبو داود : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6389أن ركانة طلق امرأته فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم } أصح ، لأنهم ولد الرجل وأهله وأعلم به ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39330وأن ركانة إنما طلق امرأته ألبتة ، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة } .
قال
شيخنا رضي الله عنه :
وأبو داود لما لم يرو في سننه الحديث الذي في مسند أحمد - يعني الذي ذكرناه آنفا - فقال : حديث ألبتة أصح من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أن
ركانة طلق امرأته ثلاثا ، لأنهم أهل بيته ، ولكن الأئمة الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه كالإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبي عبيد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ضعفوا حديث ألبتة ، وبينوا أنه رواية قوم مجاهيل لم تعرف عدالتهم وضبطهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد أثبت حديث الثلاث ، وبين أنه الصواب ، وقال : حديث
ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته ألبتة ، وفي رواية عنه : حديث
ركانة في البتة ليس بشيء ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق يرويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه أن
ركانة طلق امرأته ثلاثا ، وأهل
المدينة يسمون الثلاث ألبتة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : حديث
ركانة في البتة ، فضعفه .
والمقصود أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يخف عليه أن هذا هو السنة ، وأنه
[ ص: 33 ] توسعة من الله لعباده ; إذ جعل الطلاق مرة بعد مرة ، وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف إيقاع مراته كلها جملة واحدة كاللعان ، فإنه لو قال : " أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين " كان مرة واحدة ، ولو حلف في القسامة وقال : " أقسم بالله خمسين يمينا أن هذا قاتله " كان ذلك يمينا واحدة ، ولو قال المقر بالزنا : " أنا أقر أربع مرات أني زنيت " كان مرة واحدة ; فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك إلا إقرارا واحدا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36963من قال في يومه سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر } فلو قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20147سبحان الله وبحمده مائة مرة } لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة ، وكذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36507من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمده ثلاثا وثلاثين ، وكبره ثلاثا وثلاثين } الحديث ; لا يكون عاملا به حتى يقول ذلك مرة بعد مرة ، ولا يجمع الكل بلفظ واحد ، وكذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36964من قال في يومه لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي } لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة ، وهكذا قوله : {
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } وهكذا قوله في الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13863الاستئذان ثلاث مرات ، فإن أذن لك وإلا فارجع } لو قال الرجل ثلاث مرات هكذا كانت مرة واحدة حتى يستأذن مرة بعد مرة ، وهذا كما أنه في الأقوال والألفاظ فكذلك هو في الأفعال سواء ، كقوله تعالى : {
سنعذبهم مرتين } إنما هو مرة بعد مرة ، وكذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " رأى
محمد ربه بفؤاده مرتين " إنما هو مرة بعد مرة ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31976لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين } فهذا المعقول من اللغة والعرف في الأحاديث المذكورة ، وهذه النصوص المذكورة وقوله تعالى : {
الطلاق مرتان } كلها من باب واحد ومشكاة واحدة ، والأحاديث المذكورة تفسر المراد من قوله : {
الطلاق مرتان } كما أن حديث اللعان تفسير لقوله لقوله تعالى : {
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } .
فهذا كتاب الله ، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه لغة
العرب ، وهذا عرف التخاطب ، وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على هذا المذهب ; فلو عدهم العاد بأسمائهم واحدا واحدا لوجد أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار عليها ، ولو فرض فيهم من لم يكن يرى ذلك فإنه لم يكن منكرا للفتوى به ، بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا وساكت غير منكر .
وهذا حال كل صحابي من عهد
الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وهم يزيدون على الألف قطعا كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن [ ص: 34 ] بكير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق قال : حدثني
محمد بن جعفر بن الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير قال : استشهد من المسلمين في وقعة
اليمامة ألف ومائتا رجل منهم سبعون من القراء كلهم قد قرءوا القرآن ، وتوفي في خلافة
الصديق nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي بكر قال
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق : فلما أصيب المسلمون من
المهاجرين والأنصار باليمامة وأصيب فيهم عامة فقهاء المسلمين وقرائهم فزع
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر إلى القرآن ، وخاف أن يهلك منه طائفة ، وكل صحابي من لدن خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان على أن الثلاث واحدة فتوى أو إقرارا أو سكوتا ، ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم ، ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه ، بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن ، وإلى يومنا هذا ، فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن
أيوب عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحدة فهي واحدة " وأفتى أيضا بالثلاث ، أفتى بهذا وهذا .
وأفتى بأنها واحدة
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، حكاه عنهما
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود روايتان كما عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وأما التابعون فأفتى به
عكرمة ، رواه
إسماعيل بن إبراهيم عن
أيوب عنه ، وأفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، وأما تابعو التابعين فأفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره عنه ، وأفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=15826خلاس بن عمرو والحارث العكلي ، وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي وأكثر أصحابه ، حكاه عنهم
أبو المفلس nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم وغيرهما ، وأفتى به بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، حكاه
التلمساني في شرح تفريع
nindex.php?page=showalam&ids=14009ابن الجلاب قولا لبعض المالكية .
وأفتى به بعض الحنفية ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي عن
محمد بن مقاتل ، وأفتى به بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، حكاه شيخ الإسلام
ابن تيمية عنه ، قال : وكان الجد يفتي به أحيانا .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد نفسه فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27291كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر واحدة } بأي شيء تدفعه ؟ قال : برواية الناس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من وجوه خلافه ، ثم ذكر عن عدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها ثلاث ; فقد صرح بأنه إنما ترك القول به لمخالفة رواية له ، وأصل مذهبه وقاعدته التي بنى عليها أن الحديث إذا صح لم يرده لمخالفة رواية له ، بل الأخذ بما رواه ، كما فعل في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وفتواه في بيع الأمة فأخذ بروايته أنه لا يكون طلاقا ، وترك رأيه ، وعلى أصله يخرج له قول إن الثلاث واحدة ; فإنه إذا صرح بأنه إنما ترك الحديث لمخالفة الراوي وصرح في عدة مواضع أن مخالفة الراوي لا توجب ترك الحديث خرج له في المسألة قولان ، وأصحابه يخرجونه على مذهبه أقوالا دون ذلك بكثير .
والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم ، ولم
[ ص: 35 ] يأت بعده إجماع يبطله ، ولكن رأى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق ، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة ; فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم ; ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه المرأة وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة يراد للدوام لا نكاح تحليل ، فإنه كان من أشد الناس فيه ، فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق المحرم ، فرأى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه .
ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق وصدرا من خلافته كان الأليق بهم ; لأنهم لم يتتابعوا فيه ، وكانوا يتقون الله في الطلاق ، وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا ، فلما تركوا تقوى الله وتلاعبوا بكتاب الله وطلقوا على غير ما شرعه الله ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم ; فإن الله تعالى إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة ، ولم يشرعه كله مرة واحدة ، فمن جمع الثلاث في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله ، وظلم نفسه ، ولعب بكتاب الله ، فهو حقيق أن يعاقب ، ويلزم بما التزمه ، ولا يقر على رخصة الله وسعته ، وقد صعبها على نفسه ، ولم يتق الله ولم يطلق كما أمره الله وشرعه له ، بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه رحمة منه وإحسانا ، ولبس على نفسه واختار الأغلظ والأشد ; فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان ، وعلم الصحابة رضي الله عنهم حسن سياسة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما ألزم به ، وصرحوا لمن استفتاهم بذلك فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : من أتى الأمر على وجهه فقد بين له ، ومن لبس على نفسه جعلنا عليه لبسه ، والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله منكم ، هو كما تقولون .
فلو كان وقوع الثلاث ثلاثا في كتاب الله وسنة رسوله لكان المطلق قد أتى الأمر على وجهه ، ولما كان قد لبس على نفسه ، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16925تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم } ؟
ولما توقف
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير في الإيقاع وقال للسائل : إن هذا الأمر ما لنا فيه قول ، فاذهب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، فلما جاء إليهما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة : أفته فقد جاءتك معضلة ، ثم أفتياه بالوقوع .
فالصحابة رضي الله عنهم ومقدمهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لما رأوا الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وأرسلوا ما بأيديهم منه ولبسوا على أنفسهم ولم يتقوا الله في التطليق الذي شرعه لهم وأخذوا بالتشديد على أنفسهم ولم يقفوا على ما حد لهم ألزموهم بما التزموه ، وأمضوا عليهم ما اختاروه لأنفسهم من التشديد الذي وسع الله عليهم ما شرعه لهم بخلافه ، ولا ريب أن من فعل هذا حقيق بالعقوبة بأن ينفذ عليه ما أنفذه على نفسه ; إذ لم يقبل رخصة الله وتيسيره ومهلته ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لمن طلق مائة : عصيت ربك وبانت منك امرأتك ; إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، وأتاه رجل فقال : إن عمي طلق ثلاثا ، فقال : إن عمك عصى الله فأندمه ، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا ، فقال : أفلا تحللها له ؟ فقال : من يخادع الله يخدعه .
[ ص: 36 ] فليتدبر العالم الذي قصده معرفة الحق واتباعه من الشرع والقدر في قبول الصحابة هذه الرخصة والتيسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقواهم ربهم تبارك وتعالى في التطليق ، فجرت عليهم رخصة الله وتيسيره شرعا وقدرا ، فلما ركب الناس الأحموقة ، وتركوا تقوى الله ، ولبسوا على أنفسهم ، وطلقوا على غير ما شرعه الله لهم ، أجرى الله على لسان الخليفة الراشد والصحابة معه شرعا وقدر إلزامهم بذلك ، وإنفاذه عليهم ، وإبقاء الإصر الذي جعلوه هم في أعناقهم كما جعلوه ، وهذه أسرار من أسرار الشرع والقدر لا تناسب عقول أبناء الزمن ، فجاء أئمة الإسلام ، فمضوا على آثار الصحابة سالكين مسلكهم ، قاصدين رضاء الله ورسوله وإنفاذ دينه .
فمنهم من ترك القول بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لظنه أنه منسوخ ، وهذه طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
قال : فإن كان معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة بمعنى أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فالذي يشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد علم شيئا فنسخ .
فإن قيل : فما دل على ما وصفت ؟ قيل : لا يشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم يخالفه بشيء ولم يعلمه كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف .
فإن قيل : فلعل هذا شيء روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . قيل : قد علمنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يخالف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في نكاح المتعة ، وبيع الدينار بالدينارين ، وبيع أمهات الأولاد ، فكيف يوافقه في شيء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ؟
فصل [
فتوى الصحابي على خلاف ما رواه ]
قال المانعون من لزوم الثلاث : النسخ لا يثبت بالاحتمال ، ولا ترك الحديث الصحيح المعصوم لمخالفة راويه له ; فإن مخالفته ليست معصومة ، وقد قدم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في شأن
بريرة على فتواه التي تخالفها في كون بيع الأمة طلاقها ، وأخذ هو
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهما بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35783من استقاء فعليه القضاء } وقد خالفه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وأفتى بأنه لا قضاء عليه ، وأخذوا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2888أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين } وصح عنه أنه قال : ليس الرمل بسنة ، وأخذوا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في منع الحائض من الطواف ، وقد صح عنها أن امرأة حاضت وهي تطوف معها فأتمت بها
عائشة بقية طوافها ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور : ثنا
أبو عوانة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11937أبي بشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، فذكره ، وأخذوا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في تقديم الرمي والحلق والنحر بعضها على بعض ، وأنه لا حرج في
[ ص: 37 ] ذلك ، وقد أفتى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن فيه دما ، فلم يلتفتوا إلى قوله وأخذوا بروايته ، وأخذت الحنفية بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28741كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه } قالوا : وهذا صريح في طلاق المكره ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق ، وأخذوا هم والناس بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه اشترى جملا شاردا بأصح سند يكون ، وأخذ الحنفية والحنابلة بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20808صلاة الوسطى صلاة العصر } وقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أنها صلاة الصبح ، وأخذ الأئمة الأربعة وغيرهم بخبر
عائشة في التحريم بلبن الفحل ، وقد صح عنها خلافه ، وأنه كان يدخل عليها من أرضعته بنات إخوتها ، ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها ، وأخذ الحنفية برواية
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24148فرضت الصلاة ركعتين ركعتين } وصح عنها أنها أتمت الصلاة في السفر ، فلم يدعوا روايتها لرأيها ، واحتجوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وأبي موسى في الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة ، وقد صح عنهما أنهما قالا : لا وضوء من ذلك ، وأخذ الناس بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في ترك إيجاب الوضوء مما مست النار ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بأصح إسناد إيجاب الوضوء للصلاة من أكل كل ما مست النار ، وأخذ الناس بأحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة في المسح على الخفين ، وقد صح عن ثلاثتهم المنع من المسح جملة ; فأخذوا بروايتهم وتركوا رأيهم .
واحتجوا في إسقاط القصاص عن الأب بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31867لا يقتص لولد من والده } وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : لأقصن للولد من الوالد ; فلم يأخذوا برأيه بل بروايته ، واحتجت الحنفية والمالكية في أن الخلع طلاق بحديثين لا يصحان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بأصح إسناد يكون {
أن الخلع فسخ لا طلاق } وأخذت الحنفية بحديث لا يصح بل هو من وضع
حزام بن عثمان ومبشر بن عبيد الحلبي ، وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر {
لا يكون صداق أقل من عشرة دراهم } وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر جواز
النكاح بما قل أو كثر ، واحتجوا هم وغيرهم على المنع من بيع أمهات الأولاد بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المرفوع ، وقد صح عنه جواز بيعهن ; فقدموا روايته التي لم تثبت على فتواه الصحيحة عنه ، وأخذت الحنابلة وغيرهم بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه ألحق الولد بأبوين ، وقد خالفه
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ; فلم يعتدوا بخلافه ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5557أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج } ، وصح عنهم النهي عن التمتع ، فأخذ الناس بروايتهم وتركوا رأيهم ، وأخذ الناس بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في البحر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هو الطهور ماؤه الحل ميتته } وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه قال : ماءان لا يجزئان في غسل الجنابة ماء البحر وماء الحمام ، وأخذت الحنابلة والشافعية بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في
[ ص: 38 ] سننه أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة سئل عن الحوض يلغ فيه الكلب ويشرب منه الحمار ، فقال : لا يحرم الماء شيء ، وأخذت الحنفية بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه {
لا زكاة فيما زاد على المائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما } مع ضعف الحديث
بالحسن بن عمارة ، وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه أن ما زاد على المائتين ففيه الزكاة بحسابه ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي عن
عاصم بن ضمرة عنه .
وهذا باب يطول تتبعه ، وترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده وقد خالفه رواية يقول : الحجة فيما روى ، لا في قوله ، فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث بخلافه قال : لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه ، وإلا كان قدحا في عدالته ، فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا ، بل قد رأينا في الباب الواحد ، وهذا من أقبح التناقض ، والذي ندين لله به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان لا رواية ولا غيره ; إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ، أو لا يحضره وقت الفتيا ، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة ، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا ، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر ، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه ، ولو قدر انتفاء ذلك كله ، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه ، لم يكن الراوي معصوما ، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته ، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك .