فصل [
وجه تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأحوال ]
إذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيرت الفتوى بها بحسب الأزمنة كما عرفت ; لما رأته الصحابة من المصلحة ; لأنهم رأوا مفسدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث لا تندفع إلا بإمضائها عليهم ، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع ، ولم يكن باب التحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله مفتوحا بوجه ما ، بل كانوا أشد خلق الله في المنع منه ، وتوعد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فاعله بالرجم ، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره ، وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربها من مفسدة التحليل ، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين وشجى في حلوق المؤمنين : من قبائح تشمت أعداء الدين به
[ ص: 39 ] وتمنع كثيرا ممن يريد الدخول فيه بسببه ، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب ، ولا يحصرها كتاب ، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح ، ويعدونها من أعظم الفضائح ، قد قلبت من الدين رسمه ، وغيرت منه اسمه ، وضمخ
التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل ، وقد زعم أنه قد طيبها للحليل ، فيا لله العجب ، أي طيب أعارها هذا التيس الملعون ؟ وأي مصلحة حصلت لها ولمطلقها بهذا الفعل الدون ؟ أترون وقوف الزوج المطلق أو الولي على الباب والتيس الملعون قد حل إزارها وكشف النقاب وأخذ في ذلك المرتع والزوج أو الولي يناديه : لم يقدم إليك هذا الطعام لتشبع ، فقد علمت أنت والزوجة ونحن والشهود والحاضرون والملائكة الكاتبون ورب العالمين أنك لست معدودا من الأزواج ، ولا للمرأة أو أوليائها بك رضا ولا فرح ولا ابتهاج ، وإنما أنت بمنزلة التيس المستعار للضراب ، الذي لولا هذه البلوى لما رضينا وقوفك على الباب ; فالناس يظهرون النكاح ويعلنونه فرحا وسرورا ، ونحن نتواصى بكتمان هذا الداء العضال ونجعله أمرا مستورا ; بلا نثار ولا دف ولا خوان ولا إعلان ، بل التواصي بهس ومس والإخفاء والكتمان ; فالمرأة تنكح لدينها وحسبها ومالها وجمالها ، والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من ذلك ، فإنه لا يمسك بعصمتها ، بل قد دخل على زوالها ، والله تعالى قد جعل كل واحد من الزوجين سكنا لصاحبه ، وجعل بينهما مودة ورحمة ليحصل بذلك مقصود هذا العقد العظيم ، وتتم بذلك المصلحة التي شرعه لأجلها العزيز الحكيم ، فسل التيس المستعار : هل له من ذلك نصيب ، أو هو من حكمة هذا العقد ومقصوده ومصلحته أجنبي غريب ؟
وسله : هل اتخذ هذه المصابة حليلة وفراشا يأوي إليه ؟ ثم سلها : هل رضيت به قط زوجا وبعلا تعول في نوائبها عليه ؟ وسل أولي التمييز والعقول : هل تزوجت فلانة بفلان ؟ وهل يعد هذا نكاحا في شرع أو عقل أو فطرة إنسان ؟ وكيف يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أمته نكح نكاحا شرعيا صحيحا ، ولم يرتكب في عقده محرما ولا قبيحا ؟ وكيف يشبهه بالتيس المستعار ، وهو من جملة المحسنين الأبرار ؟ وكيف تعير به المرأة طول دهرها بين أهلها والجيران ; وتظل ناكسة رأسها إذا ذكر ذلك التيس بين النسوان ؟ وسل التيس المستعار : هل حدث نفسه وقت هذا العقد الذي هو شقيق النفاق ، بنفقة أو كسوة أو وزن صداق ؟ وهل طمعت المصابة منه في شيء من ذلك ، أو حدثت نفسها به هنالك ؟ وهل طلب منها ولدا نجيبا واتخذته عشيرا وحبيبا ؟ وسل عقول العالمين وفطرهم : هل كان خير هذه الأمة أكثرهم تحليلا ، أو كان المحلل الذي لعنه الله ورسوله أهداهم سبيلا ؟
وسل التيس المستعار ومن ابتليت به : هل تجمل أحد منهما بصاحبه كما يتجمل الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، أو كان لأحدهما
[ ص: 40 ] رغبة في صاحبه بحسب أو مال أو جمال ؟ وسل المرأة : هل تكره أن يتزوج عليها هذا التيس المستعار أو يتسرى ، أو تكره أن تكون تحته امرأة غيرها أخرى ، أو تسأله عن ماله وصنعته أو حسن عشرته وسعة نفقته ؟ وسل التيس المستعار : هل سأل قط عما يسأله عنه من قصد حقيقة النكاح ، أو يتوسل إلى بيت أحمائه بالهدية والحمولة والنقد الذي يتوسل به خاطب الملاح ؟ وسله : هل هو أبو يأخذ أو أبو يعطي ؟ وهل قوله عند قراءة
أبي جاد هذا العقد : خذي نفقة هذا العرس أو حطي ؟
وسله : هل تحمل من كلفة هذا العقد خذي نفقة هذا العرس أو حطي ؟ ] وسله عن وليمة عرسه : هل أولم ولو بشاة ؟ وهل دعا إليها أحدا من أصحابه فقضى حقه وأتاه ؟ وسله : هل تحمل من كلفة هذا العقد ما يتحمله المتزوجون ، أم جاءه كما جرت به عادة الناس الأصحاب والمهنئون ؟ وهل قيل له بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية ، أم لعن الله المحلل والمحلل له لعنة تامة وافية ؟ .
فصل
ثم سل من له أدنى اطلاع على أحوال الناس : كم من حرة مصونة أنشب فيها المحلل مخالب إرادته فصارت له بعد الطلاق من الأخدان وكان بعلها منفردا بوطئها فإذا هو والمحلل فيها ببركة التحليل شريكان ؟ فلعمر الله كم أخرج التحليل مخدرة من سترها إلى البغاء ، وألقاها بين براثن العشراء والحرفاء ؟ ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها ، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها ، وعناق القنا دون عناقها ، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها ، وسل أهل الخبرة : كم عقد المحلل على أم وابنتها ؟ وكم جمع ماءه في أرحام ما زاد على الأربع وفي رحم الأختين ؟ وذلك محرم باطل في المذهبين ، وهذه المفسدة في كتب مفاسد التحليل لا ينبغي أن تفرد بالذكر وهي كموجة واحدة من الأمواج ، ومن يستطيع عد أمواج البحر ؟ ، وكم من امرأة كانت قاصرة الطرف على بعلها ، فلما ذاقت عسيلة المحلل خرجت على وجهها فلم يجتمع شمل الإحصان والعفة بعد ذلك بشملها ، وما كان هذا سبيله فكيف يحتمل أكمل الشرائع وأحكمها تحليله ؟ فصلوات الله وسلامه على من صرح بلعنته ، وسماه بالتيس المستعار من بين فساق أمته ، كما شهد به
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس وأخبر
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أنهم كانوا يعدونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا .
أما
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ففي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وجامع الترمذي عنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32470لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له } قال
الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان [ ص: 41 ] الثوري : حدثني
أبو قيس الأودي عن
هزيل بن شرحبيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32477لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة ، والواصلة والموصولة ، والمحلل والمحلل له ، وآكل الربا وموكله } ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي والإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وروى
الترمذي عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32450لعن المحلل } وصححه ، ثم قال : والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، وهو قول الفقهاء من التابعين ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث
أبي الواصل عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32451لعن المحلل والمحلل له } ، وفي مسند الإمام أحمد والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
عبد الله بن مرة عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به ، والواصلة والمستوشمة ، ولاوي الصدقة والمعتدي فيها ، والمرتد على عقبيه أعرابيا بعد هجرته ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة } . وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ففي المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث
الشعبي عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8235أنه لعن المحلل والمحلل له } .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ففي المسند للإمام أحمد ومسند أبي بكر بن أبي شيبة من حديث
عثمان بن الأخنسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15985المقبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32409لعن الله المحلل والمحلل له } قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين :
عثمان بن الأخنسي ثقة ، والذي رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15176عبد الله بن جعفر المخرمي ثقة من رجال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ويحيى nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وغيرهم ; فالإسناد جيد ، وفي كتاب العلل للترمذي : ثنا
محمد بن يحيى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17122معلى بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=15176عبد الله بن جعفر المخرمي عن
عثمان بن محمد الأخنسي عن
سعيد المقبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32451لعن المحلل والمحلل له } قال
الترمذي : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12070أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فقال : هو حديث حسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15176وعبد الله بن جعفر المخرمي صدوق ،
وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة ، وكنت أظن أن
عثمان لم يسمع من
سعيد المقبري ، وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا إسناد جيد . وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ففي جامع الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن
الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32451لعن المحلل والمحلل له }
nindex.php?page=showalam&ids=16878ومجالد وإن كان غيره أقوى منه فحديثه شاهد ومقو . وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ففي سنن ابن ماجه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1614ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في صحيحه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن [ ص: 42 ] سعد عن
مشرح بن هاعان عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، فذكره ، وقد أعل هذا الحديث بثلاث علل ; إحداها : أن
أبا حاتم البستي ضعف
مشرح بن هاعان .
، والعلة الثانية ما حكاه
الترمذي في كتاب العلل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فقال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12070أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16442عبد الله بن صالح حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن
مشرح بن هاعان عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1614ألا أخبركم بالتيس المستعار ، هو المحلل والمحلل له ، ولعن الله المحلل والمحلل له } فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=16442عبد الله بن صالح لم يكن أخرجه في أيامنا ، ما أرى
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث سمعه من
مشرح بن هاعان ; لأن
حيوة يروي عن
بكر بن عمرو عن
مشرح .
والعلة الثالثة : ما ذكرها
الجوزجاني في ترجمته فقال : كانوا ينكرون على
عثمان هذا الحديث إنكارا شديدا ; فأما العلة الأولى فقال
محمد بن عبد الواحد المقدسي :
مشرح قد وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16548عثمان بن سعيد ،
وابن معين أعلم بالرجال من
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، قلت : وهو صدوق عند الحفاظ ، لم يتهمه أحد ألبتة ، ولا أطلق عليه أحد من أهل الحديث قط أنه ضعيف ، ولا ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، وإنما يقال : يروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها ; فالصواب ترك ما انفرد به ، وانفرد
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من بين أهل الحديث بهذا القول فيه ، وأما العلة الثانية
nindex.php?page=showalam&ids=16442فعبد الله بن صالح قد صرح بأنه سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، وكونه لم يخرجه وقت اجتماع
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري به لا يضره شيئا ; وأما قوله : " إن
حيوة يروي عن
بكر بن عمرو بن شريح المصري عن
مشرح " فإنه يريد [ به ] أن
حيوة من أقران
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث أو أكبر منه ، وإنما روى عن
بكر بن عمرو عن
مشرح ، وهذا تعليل قوي ، ويؤكده أن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث قال " قال
مشرح " ولم يقل حدثنا ، وليس بلازم ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث كان معاصرا
لمشرح وهو في بلده ، وطلب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث العلم وجمعه لم يمنعه أن لا يسمع من
مشرح حديثه عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر وهو معه في البلد . وأما التعليل الثالث فقال شيخ الإسلام : إنكار من أنكر هذا الحديث على
عثمان غير جيد ، وإنما هو لتوهم انفراده به عن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث وظنهم أنه لعله أخطأ فيه حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، كما قد يتوهم بعض من يكتب الحديث أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل من ليس بالمشهور من أصحابه كان ذلك شذوذا فيه وعلة قادحة ، وهذا لا يتوجه ههنا لوجهين : أحدهما : أنه قد تابعه عليه
أبو صالح كاتب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عنه ، رويناه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15018أبي بكر القطيعي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14907جعفر بن محمد الفريابي حدثني
العباس المعروف بأبي فريق ثنا
أبو صالح حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث به ، فذكره ، ورواه أيضا الدارقطني في سننه : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14564أبو بكر الشافعي ثنا
إبراهيم بن الهيثم أخبرنا
أبو صالح ، فذكره . الثاني : أن
عثمان بن صالح هذا المصري نفسه روى عنه البخاري في صحيحه ، وروى عنه
ابن معين nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم الرازي ، وقال : هو شيخ صالح سليم التأدية ، قيل
[ ص: 43 ] له : كان يلقن ؟ قال : لا ، ومن كان بهذه المثابة كان ما ينفرد به حجة ، وإنما الشاذ ما خالف به الثقات ، لا ما انفرد به عنهم ، فكيف إذا تابعه مثل
أبي صالح وهو كاتب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث وأكثر الناس حديثا عنه ؟ وهو ثقة أيضا ، وإن كان قد وقع في بعض حديثه غلط ،
ومشرح بن هاعان قال فيه
ابن معين : ثقة ، وقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : هو معروف ; فثبت أن هذا الحديث حديث جيد وإسناده حسن ، انتهى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ليس الشاذ أن ينفرد الثقة عن الناس بحديث ، إنما الشاذ أن يخالف ما رواه الثقات .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس فرواه ابن ماجه في سننه عنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32470لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له } وفي إسناده
زمعة بن صالح ، وقد ضعفه قوم ، ووثقه آخرون ، وأخرج له مسلم في صحيحه مقرونا بآخر ، وعن
ابن معين فيه روايتان .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ففي صحيح الحاكم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12528ابن أبي مريم ، حدثنا
أبو غسان عن
عمرو بن نافع عن أبيه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17452جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينه ليحلها لأخيه : هل تحل للأول ؟ قال : لا ، إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقال سعيد في سننه : ثنا
محمد بن نشيط البصري قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله المزني : لعن المحلل والمحلل له ، وكان يسمى في الجاهلية التيس المستعار وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري قال : كان المسلمون يقولون : هذا التيس المستعار .
فصل
فسل هذا التيس : هل دخل في قوله تعالى : {
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } وهل دخل في قوله تعالى : {
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35770من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج } وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16752تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة } وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=837أربع من سنن المرسلين : النكاح ، والتعطر ، والختان ، وذكر الرابعة } وهل دخل في قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15745النكاح سنتي ; فمن رغب عن سنتي فليس مني } وهل دخل في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : خير هذه الأمة أكثرها نساء ؟ وهل له نصيب من قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17152ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء } وذكر الثالث ، أم حق على الله لعنته تصديقا لرسوله فيما أخبر عنه ؟ وسله : هل يلعن الله ورسوله من يفعل مستحبا أو جائزا أو مكروها أو صغيرة ، أم لعنته مختصة بمن ارتكب كبيرة أو ما هو
[ ص: 44 ] أعظم منها ؟ كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة ، وسله : هل كان في الصحابة محلل واحد أو أقر رجل منهم على التحليل ؟ وسله لأي شيء قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وسله : كيف تكون المتعة حراما نصا مع أن المستمتع له غرض في نكاح الزوجة إلى وقت لكن لما كان غير داخل على النكاح المؤبد كان مرتكبا للمحرم ؟ فكيف يكون نكاح المحلل الذي إنما قصده أن يمسكها ساعة من زمان أو دونها ، ولا غرض له في النكاح ألبتة ؟ بل قد شرط انقطاعه وزواله إذا أخبثها بالتحليل ، فكيف يجتمع في عقل أو شرع تحليل هذا وتحريم المتعة ؟ هذا مع أن المتعة أبيحت في أول الإسلام ، وفعلها الصحابة ، وأفتى بها بعضهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط ولم يفعله أحد من الصحابة ، ولا أفتى به واحد منهم ؟ وليس الغرض بيان تحريم هذا العقد وبطلانه وذكر مفاسده وشره ، فإنه يستدعي سفرا ضخما نختصر فيه الكلام ، وإنما المقصود أن هذا شأن التحليل عند الله ورسوله وأصحاب رسوله ، فألزمهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالطلاق الثلاث إذا جمعوها ليكفوا عنه إذا علموا أن المرأة تحرم به ، وأنه لا سبيل إلى عودها بالتحليل ، فلما تغير الزمان ، وبعد العهد بالسنة وآثار القوم ، وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس ; فالواجب أن يرد الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته من الإفتاء بما يعطل سوق التحليل أو يقللها ويخفف شرها ، وإذا عرض على من وفقه الله وبصره بالهدى وفقهه في دينه مسألة كون الثلاث واحدة ومسألة التحليل ووازن بينهما تبين له التفاوت ، وعلم أي المسألتين أولى بالدين وأصلح للمسلمين .
فهذه حجج المسألتين قد عرضت عليك ، وقد أهديت إن قبلتها إليك ، وما أظن عمى التقليد إلا يزيد الأمر على ما هو عليه ، ولا يدع التوفيق يقودك اختيارا إليه ، وإنما أشرنا إلى المسألتين إشارة تطلع العالم على ما وراءها ، وبالله التوفيق .
فصل
فقد تبين لك أمر مسألة من المسائل التي تمنع التحليل ، أفتى بها المفتي ، وقد قال بها بعض أهل العلم ; فهي خير من التحليل ، حتى لو أفتى المفتي بحلها بمجرد العقد من غير وطء ، لكان أعذر عند الله من أصحاب التحليل ، وإن اشترك كل منهما في مخالفة النص ; فإن النصوص المانعة من التحليل المصرحة بلعن فاعله كثيرة جدا ، والصحابة والسلف مجمعون عليها ، والنصوص المشترطة للدخول لا تبلغ مبلغها ، وقد اختلف فيها التابعون ;
[ ص: 45 ] فمخالفتها أسهل من مخالفة أحاديث التحليل ، والحق موافقة جميع النصوص ، وأن لا يترك منها شيء ، وتأمل كيف كان الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق من كون الثلاث واحدة والتحليل ممنوع منه ، ثم صار في بقية خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الثلاث ثلاث والتحليل ممنوع منه ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر من أشد الصحابة فيه ، وكلهم على مثل قوله فيه ، ثم صار في هذه الأزمنة التحليل كثيرا مشهورا والثلاث ثلاثا .
وعلى هذا فيمتنع في هذه الأزمنة معاقبة الناس بما عاقبهم به
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من وجهين : أحدهما : أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام ، لا سيما وكثير من الفقهاء لا يرى تحريمه ، فكيف يعاقب من لم يرتكب محرما عند نفسه ؟ الثاني : أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدودا على عهد الصحابة ، والعقوبة إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه كان تركها أحب إلى الله ورسوله ، ولو فرضنا أن التحليل مما أباحته الشريعة ومعاذ الله لكان المنع منه إذا وصل إلى هذا الحد الذي قد تفاحش قبحه من باب سد الذرائع ، وتعين على المفتين والقضاة المنع منه جملة ، وإن فرض أن بعض أفراده جائز ; إذ لا يستريب أحد في أن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر الصديق وصدر من خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أولى من الرجوع إلى التحليل ، والله الموفق .