فصل [ اليمين بالطلاق وتعليق الطلاق على الشرط ]
ومن هذا الباب
اليمين بالطلاق والعتاق ; فإن إلزام الحالف بهما إذا حنث بطلاق زوجته وعتق عبده مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة ; فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق به أبدا ، وإنما المحفوظ إلزام الطلاق بصيغة الشرط والجزاء الذي قصد به الطلاق عند وجود الشرط كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال : طلق رجل امرأته ألبتة إن خرجت ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : إن خرجت فقد بانت منه ، وإن لم تخرج فليس بشيء ; فهذا لا ينازع فيه إلا من يمنع وقوع الطلاق المعلق بالشرط مطلقا ، وأما من يفصل بين القسم المحض والتعليق الذي يقصد به الوقوع فإنه يقول بالآثار المروية عن الصحابة كلها في هذا الباب ; فإنهم صح عنهم الإفتاء بالوقوع في صور ، وصح عنهم عدم الوقوع في صور ، والصواب ما أفتوا به في النوعين ، ولا يؤخذ ببعض فتاويهم ويترك بعضها ، فأما
[ ص: 49 ] الوقوع فالمحفوظ عنهم ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
الزبير بن عربي عن
إبراهيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه في رجل قال لامرأته : إن فعلت كذا وكذا فهي طالق ، ففعلته ، قال : هي واحدة ، وهو أحق بها ، على أنه منقطع ، وكذلك ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رجل قال لامرأته : هي طالق إلى سنة ، قال : يستمتع بها إلى سنة ، ومن هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر لامرأته وقد ألحت عليه في سؤاله عن ليلة القدر ، فقال : إن عدت سألتني فأنت طالق .
وههنا نكتة لطيفة يحسن التنبيه عليها ، وهي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2309أن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وألح عليه ، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم في آخر مسألته : التمسوها في العشر الأواخر ، ولا تسألني عن شيء بعد هذا ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم وحدث ، قال : فاهتبلت غفلته فقلت : أقسمت عليك يا رسول الله بحقي عليك لتحدثني في أي العشر هي ، قال : فغضب علي غضبا ما غضب علي من قبل ولا من بعد ، ثم قال : التمسوها في السبع الأواخر ، ولا تسألني عن شيء بعد } ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، فأصاب
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر من امرأته وإلحاحها عليه ما أوجب غضبه وقال : إن عدت سألتني فأنت طالق .
فهذه جميع الآثار المحفوظة عن الصحابة في وقوع الطلاق المعلق .
وأما الآثار عنهم في خلافه فصح عن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وحفصة وأم سلمة فيمن
حلفت بأن كل مملوك لها حر إن لم تفرق بين عبدها وبين امرأته ، أنها تكفر عن يمينها ولا تفرق بينهما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم في سننه : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16272عارم بن الفضل ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17123معمر بن سليمان قال : قال أبي : ثنا
بكر بن عبد الله قال أخبرني
أبو رافع قال : قالت مولاتي
ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها محرر ، وكل مال لها هدي ، وهي يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك ، قال : فأتيت
زينب بنت أم سلمة ، وكانت إذا ذكرت امرأة
بالمدينة فقيهة ذكرت
زينب ، قال : فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت في البيت
هاروت وماروت فقالت : يا
زينب ، جعلني الله فداك إنها قالت : إن كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدي ، وهي يهودية وهي نصرانية . فقالت : يهودية ونصرانية خل بين الرجل وامرأته ، فأتيت
حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها فقالت : يا أم المؤمنين جعلني الله فداك إنها قالت : كل مملوك لها محرر ، وكل مال لها هدي ، وهي يهودية ونصرانية ، فقالت : يهودية ونصرانية ، خل بين الرجل وامرأته ، قالت : فأتيت
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، فجاء معي إليها ، فقام معي على الباب فسلم ، فقالت : بيبى أنت وبيبى أبوك ، فقال : أمن حجارة أنت أم من حديد أنت أم أي
[ ص: 50 ] شيء أنت ؟ أفتتك
زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما ، فقالت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك ، إنها قالت : كل مملوك لها حر ، وكل مال لها هدي ، وهي يهودية وهي نصرانية ، فقال : يهودية ونصرانية كفري عن يمينك ، وخلي بين الرجل وامرأته .
وقال
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في المترجم له : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16229صفوان بن صالح ثنا
عمر بن عبد الواحد عن
الأوزاعي قال : حدثني
حسن بن الحسن ، قال : حدثني
بكر بن عبد الله المزني قال : حدثني
رفيع قال : كنت أنا وامرأتي مملوكين لامرأة من
الأنصار ، فحلفت بالهدي والعتاقة أن تفرق بيننا ، فأتيت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت لها ذلك ، فأرسلت إليها أن كفري عن يمينك ، فأبت ، ثم أتيت
زينب وأم سلمة ، فذكرت ذلك لهما ، فأرسلتا إليها أن كفري عن يمينك ، فأبت ، فأتيت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فذكرت ذلك له ، فأرسل إليها
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أن كفري عن يمينك ، فأبت ، فقام
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فأتاها فقال : أرسلت إليك فلانة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم
وزينب أن تكفري عن يمينك فأبيت ، قالت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12أبا عبد الرحمن إني حلفت بالهدي والعتاقة ، قال : وإن كنت قد حلفت بهما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : ثنا
أبو بكر النيسابوري ثنا
محمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري ثنا
أشعث ثنا
بكر بن عبد الله المزني عن
أبي رافع أن مولاة له أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته فقالت : هي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل مملوك لها حر إن لم تفرق بينهما ، فسألت
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم ، فكلهم قالوا لها : أتريدين أن تكفري مثل
هاروت وماروت ؟ فأمروها أن تكفر عن يمينها وتخلي بينهما .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق
الأنصاري : ثنا
أشعث ثنا
بكر عن
أبي رافع أن مولاته أرادت أن تفرق بينه وبين امرأته ، فقالت : هي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل مملوك لها حر وكل مال لها في سبيل الله وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما ، فسألت
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وحفصة وأم سلمة ، فكلهم قالوا لها : أتريدين أن تكفري مثل
هاروت وماروت ؟ وأمروها أن تكفر عن يمينها وتخلي بينهما . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15899روح والأنصاري واللفظ له ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=15899روح مختصر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل : ثنا
أشعث عن
بكر بن عبد الله عن
أبي رافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وعائشة وأم سلمة في هذه القصة قالوا : تكفر يمينها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان عن
سليمان التيمي ثنا
بكر بن عبد الله عن
أبي رافع أن
ليلى بنت العجماء مولاته قالت : هي يهودية ، وهي نصرانية ، وكل مملوك لها حر ، وكل مال لها هدي إن لم يطلق امرأته إن لم تفرق بينهما ، فذكر القصة ، وقال : فأتيت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فجاء معي فقام بالباب ، فلما سلم قالت : بأبي أنت وأبوك ، فقال : أمن حجارة أنت أم من حديد ؟ أتتك
زينب وأرسلت
[ ص: 51 ] إليك
حفصة ، قالت : قد حلفت بكذا وكذا ، قال : كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وامرأته .
فقد تبين بسياق هذه الطرق انتفاء العلة التي أعل بها حديث
ليلى هذا ، وهي تفرد
التيمي فيه بذكر العتق ، كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : " لم يقل : وكل مملوك لها حر إلا
التيمي " وبرئ
التيمي من عهدة التفرد ، وقاعدة
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أن ما أفتى به الصحابة لا يخرج عنه إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ; فعلى أصله الذي بنى مذهبه عليه يلزمه القول بهذا الأثر لصحته وانتفاء علته .
فإن قيل : للحديث علة أخرى ، وهي التي منعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من القول به ، وقد أشار إليها في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : سمعت
أبا عبد الله يقول في حديث
ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا وكل مملوك لها حر ، فأفتيت بكفارة يمين ، فاحتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس حين أفتيا فيمن حلف بعتق جاريته وأيمان فقال : أما الجارية فتعتق .
قلت : يريد بهما ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
إسماعيل بن أمية عن
عثمان بن أبي حاضر ، قال : حلفت امرأة من آل
ذي أصبح فقالت مالها في سبيل الله وجاريتها حرة إن لم تفعل كذا وكذا ، لشيء يكرهه زوجها ، فحلف زوجها أن لا تفعله ، فسأل عن ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، فقالا : أما الجارية فتعتق ، وأما قولها : " مالي في سبيل الله " فتتصدق بزكاة مالها ; فقيل : لا ريب أنه قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ذلك ، ولكنه أثر معلول تفرد به
عثمان ، هذا وحديث
ليلى بنت العجماء أشهر إسنادا وأصح من حديث
عثمان ، فإن رواته حفاظ أئمة ، وقد خالفوا
عثمان ، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقد روي عنه خلاف ما رواه
عثمان فيمن حلف بصدقة ماله ، قال : يكفر يمينه ، وغاية هذا الأثر إن صح أن يكون عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر روايتان ، ولم يختلف على
عائشة وزينب وحفصة وأم سلمة ، قال
أبو محمد بن حزم : وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وعائشة وأم سلمة أمي المؤمنين وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنهم جعلوا في قول
ليلى بنت العجماء : " كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق امرأتك " كفارة يمين واحدة ، فإذا صح هذا عن الصحابة لم يعلم لهم مخالف سوى هذا الأثر المعلول أثر
عثمان بن أبي حاضر ] في قول الحالف عبده حر إن فعل أنه يجزيه كفارة يمين ، وإن لم يلزموه بالعتق المحبوب إلى الله تعالى فأن لا يلزموه بالطلاق البغيض إلى الله أولى وأحرى ، كيف وقد أفتى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام الحالف بالطلاق أنه لا شيء عليه ، ولم يعرف له في الصحابة مخالف ؟ قاله
عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن علي التيمي المعروف بابن بزيزة في شرحه لأحكام
عبد الحق .