فصل
[
أكثر الحيل يناقض أصول الأئمة ]
وأكثر هذه الحيل لا تمشي على أصول الأئمة ، بل تناقضها أعظم مناقضة . وبيانه أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه يحرم مسألة مد عجوة ودرهم بمدين ودرهمين ، ويبالغ في تحريمها بكل طريق خوفا أن يتخذ حيلة على نوع ما من ربا الفضل ، فتحريمه للحيل الصريحة التي يتوصل بهما إلى ربا النساء أولى من تحريم مد عجوة بكثير ; فإن التحيل بمد ودرهم من الطرفين على ربا الفضل أخف من التحيل بالعينة على ربا النساء ، وأين مفسدة هذه من مفسدة تلك ؟
وأين حقيقة الربا في هذه من حقيقته في تلك ؟
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يحرم مسألة العينة ، وتحريمه لها يوجب تحريمه للحيلة في مسألة مد عجوة بأن يبيعه خمسة عشر درهما بعشرة في خرقة ;
nindex.php?page=showalam&ids=13790فالشافعي يبالغ في تحريم مسألة مد عجوة ويبيح العينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة يبالغ في تحريم العينة ويبيح مسائل مد عجوة ، ويتوسع فيها ، وأصل كل من الإمامين رضي الله عنهما في أحد البابين يستلزم إبطال الحيلة في الباب الآخر ، وهذا من أقوى التخريج على أصولهم ونصوصهم ، وكثير من الأقوال المخرجة دون هذا ; فقد ظهر أن الحيل المحرمة في الدين تقتضي رفع التحريم مع قيام موجبه ومقتضيه وإسقاط الوجوب مع قيام سببه ، وذلك حرام من وجوه :
أحدها : استلزامها فعل المحرم وترك الواجب .
والثاني : ما يتضمن من المكر والخداع والتلبيس ، والثالث : الإغراء بها والدلالة عليها وتعليمها من لا يحسنها .
والرابع : إضافتها إلى الشارع وأن أصول شرعه ودينه تقتضيها .
والخامس : أن صاحبها لا يتوب منها ولا يعدها ذنبا ، والسادس : أنه يخادع الله كما يخادع المخلوق ، والسابع : أنه
[ ص: 149 ] يسلط أعداء الدين على القدح فيه وسوء الظن به وبمن شرعه ، والثامن : أنه يعمل فكره واجتهاده في نقض ما أبرمه الرسول وإبطال ما أوجبه وتحليل ما حرمه ، والتاسع : أنه إعانة ظاهرة على الإثم والعدوان ، وإنما اختلفت الطريق ; فهذا يعين عليه بحيلة ظاهرها صحيح مشروع يتوصل بها إليه ، وذاك يعين عليه بطريقه المفضية إليه بنفسها ، فكيف كان هذا معينا على الإثم والعدوان والمتحيل المخادع يعين على البر والتقوى ؟ العاشر : أن هذا ظلم في حق الله وحق رسوله وحق دينه وحق نفسه وحق العبد المعين وحقوق عموم المؤمنين ; فإنه يغري به ويعلمه ويدل عليه ، والمتوصل إليه بطريق المعصية لا يظلم إلا نفسه . ومن تعلق به ظلمه من المعينين فإنه لا يزعم أن ذلك دين وشرع ولا يقتدي به الناس ، فأين فساد أحدهما من الآخر وضرره من ضرره ؟ وبالله التوفيق .