فصل :
ومن المسائل التي يؤدي ثبوتها إلى نفيها لو قال لامرأته : " إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم " ومضى اليوم ولم يطلقها لم تطلق ; إذ لو طلقت بمضي اليوم لكان طلاقها مستندا إلى وجود الصفة وهي عدم طلاقها اليوم ، وإذا مضى اليوم ولم يطلقها لم يقع الطلاق المعلق باليوم .
ومنها ; لو تزوج أمة ثم قال لها : " إن مات مولاك وورثتك فأنت طالق " أو قال : " إن ملكتك فأنت طالق " ثم ورثها أو ملكها بغير إرث لا يقع الطلاق ; إذ لو وقع لم تكن الزوجة في حال وقوعه ملكا له ; لاستحالة وقوع الطلاق في ملكه ، فكان وقوعه مفضيا إلى عدم وقوعه .
[ ص: 201 ] ومنها : لو كان العبد بين موسرين فقال كل منهما لصاحبه : " متى أعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل ذلك " فأعتق أحدهما نصيبه لم ينفذ عتقه ; لأنه لو نفذ لوجب عتق نصيب صاحبه قبله ، وذلك يوجب السراية إلى نصيبه ، فلا يصادف إعتاقه محلا ، فنفوذ عتقه يؤدي إلى عدم نفوذه . والصواب في هذه المسألة بطلان هذا التعليق لتضمنه المحال ، وأيهما عتق نصيبه صح وسرى إلى نصيب شريكه .
ومنها لو قال لعبده : " إن دبرتك فأنت حر قبله " ثم دبره صح التدبير ولم يقع العتق ; لأن وقوعه يمنع صحة التدبير ، وعدم صحته يمنع وقوع العتق ، وكانت صحته تفضي إلى بطلانه ، هذا على قول
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، وعلى قول
ابن سريج لا يصح التدبير ; لأنه لو صح لوقع العتق قبله ، وذلك يمنع التدبير ، وكان وقوعه يمنع وقوعه .
ونظيره أن يقول لمدبره : " متى أبطلت تدبيرك فأنت حر قبله " ثم أبطله بطل ولم يقع العتق على قول
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ; إذ لو وقع لم يصادف إبطال التدبير محلا ، وعلى قول
ابن سريج لا يصح إبطال التدبير ; لأنه لو صح إبطاله لوقع العتق ، ولو وقع العتق لم يصح إبطال التدبير ومثله لو قال لمدبره : " إن بعتك فأنت حر قبله " ومثله لو قال لعبده : " إن كاتبتك غدا فأنت اليوم حر " ثم كاتبه من الغد .
ومثله لو قال لمكاتبه : " إن عجزت عن كتابتك فأنت حر قبله " ومثله لو قال : " متى زنيت أو سرقت أو وجب عليك حد وأنت مملوك فأنت حر قبله " ثم وجد الوصف وجب الحد ولم يقع العتق المعلق به ; إذ لو وقع لم توجد الصفة ، فلم يصح ، وكان مستلزما لعدم وقوعه . ومثله أن يقول له : " متى جنيت جناية وأنت مملوكي فأنت حر قبله " ثم جنى لم يعتق . ومثله أن يقول له : " متى بعتك وتم البيع فأنت حر قبله " ثم باعه ، فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني يصح البيع ولا يقع العتق ; لأن وقوعه يستلزم عدم وقوعه ، وعلى قول
ابن سريج لا يصح البيع ; لأنه يعتق قبله وعتقه يمنع صحة بيعه . ومثله لو قال لأمته : " إن صليت ركعتين مكشوفة الرأس فأنت حرة قبل ذلك " فصلت مكشوفة الرأس . فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني تصح الصلاة دون العتق ، وعلى قول
ابن سريج لا تصح الصلاة لأنها لو صحت عتقت قبل ذلك ، وإذا عتقت بطلت صلاتها ، وكانت صحة صلاتها مستلزمة لبطلانها .
ومنها لو
زوج أمته بحر ، وادعى عليه مهرها قبل الدخول ، وادعى الزوج الإعسار ، وادعى سيد الأمة يساره قبل نكاحه الأمة بميراث أو غيره ، لم تسمع دعواه ; إذ لو ثبتت دعواه لبطل النكاح ; لأنه لا يصح نكاح الأمة مع وجود الطول ، وإذا بطل النكاح بطل دعوى المهر .
وكذلك لو
تزوج بأمة فادعت أن الزوج عنين لم تسمع دعواها ; إذ لو ثبتت دعواها
[ ص: 202 ] لزال خوف العنت الذي هو شرط في نكاح الأمة ، وذلك يبطل النكاح ، وبطلانه يوجب بطلان الدعوى منها ، فلما كانت صحة دعواها تؤدي إلى إفسادها أفسدناها .
وكذلك
المرأة إذا ادعت على سيد زوجها أنه باعه إياها بمهرها قبل الدخول لم تصح دعواها ; لأنها لو صحت لسقط نصف المهر وبطل البيع في العبد .
وكذلك لو
شهد شاهدان على عتق عبد فحكم بعتقه ، ثم ادعى العبد بعد الحكم بحريته على أحد الشاهدين أنه مملوكه ; لم تسمع دعواه ; لأن تحقيقها يؤدي إلى بطلان الشهادة على العتق ، فتبطل دعوى ملكه للشاهد .
وكذلك لو سبي مراهق من أهل الحرب ولم يعلم بلوغه ، فأنكر البلوغ ، لم يستحلف ; لأن إحلافه يؤدي إلى إبطال استحلافه ، فإنا لو حلفناه لحكمنا بصغره والحكم بالصغر يمنع الاستحلاف .
ونظيره لو ادعى على أم مراهق ما يوجب القصاص أو قذفا يوجب الحد أو مالا من مبايعة أو ضمان أو غير ذلك ، وادعى أنه بالغ ، وأنه يلزمه الحكم بذلك فأنكر الغلام ذلك ، فالقول قوله ، ولا يمين عليه ; إذ لو حلفناه لحكمنا بصغره ، والحكم بالصغر يسقط اليمين عنه ، وإذا لم يكن هنا يمين لم يكن رد يمين ; لأن رد اليمين إنما يكون عند نكول من هو من أهلها .
وكذلك لو
أعتق المريض جارية له قيمتها مائة ، وتزوج بها في مرض موته ، ومهرها مائة ، وترك مائتي درهم ، فالنكاح صحيح ، ولا مهر لها ، ولا ميراث ، أما الميراث فلأنها لو ورثت لبطلت الوصية بعتقها ; لأن العتق في المرض وصية ، وفي بطلان الوصية بطلان الحرية ، وفيه بطلان الميراث .
وأما سقوط المهر فلأنه لو ثبت لركب السيد دين ، ولم تخرج قيمتها من الثلث ، فيبطل عتقها كلها ، فلم يكن للزوج أن ينكحها وبعضها رقيق ، فيبطل المهر ، فكان ثبوت المهر مؤديا إلى بطلانه .
فالحكم بإبطالها مستفاد من قوله تعالى : {
ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } فعير تعالى من نقض شيئا بعد أن أثبته ; فدل على أن كل ما كان إثباته مؤديا إلى نفيه وإبطاله كان باطلا ، فهذا ما احتج به السريجيون .