فصل :
وأما سائر الصور التي ذكرتموها من
صور الدور التي يفضي ثبوتها إلى إبطالها فمنها ما هو ممنوع الحكم لا يسلمه لكم منازعكم ، وإنما هي مسائل مذهبية يحتج لها ولا يحتج بها ، وهم يفكون الدور تارة بوقوع الحكمين معا وعدم إبطال أحدهما للآخر ويجعلونهما معلولي علة واحدة ولا دور ، وتارة يسبق أحد الحكمين للآخر سبق السبب لمسببه ثم يترتب الآخر عليه .
ومنها ما هو مسلم الحكم وثبوت الشيء فيه يقتضي إبطاله .
ولكن هذا حجة لهم في إبطال هذا التعليق ; فإنه لو صح لأفضى ثبوته إلى بطلانه ، فإنه لو صح لزم منه وقوع طلقة مسبوقة بثلاث ، وسبقها بثلاث يمنع وقوعها ، فبطل التعليق من أصله للزوم المحال ; فهذه الصور التي استشهدتم بها من أقوى حججهم عليكم على بطلان التعليق .
وأدلتكم في هذه المسألة نوعان :
أدلة صحيحة وهي إنما تقتضي بطلان التعليق .
وأما
الأدلة التي تقتضي بطلان المنجز فليس منها دليل صحيح ; فإنه طلاق صدر من أهله في محله ; فوجب الحكم بوقوعه ; أما أهلية المطلق فلأنه زوج مكلف مختار ، وأما محلية المطلقة فلأنها زوجة والنكاح صحيح فيدخل في قوله تعالى : {
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وفي سائر نصوص الطلاق ; إذ لو لم يلحقها طلاق لزم واحد من ثلاثة ، وكلها منتفية : إما عدم أهلية المطلق ، وإما عدم قبول المحل ، وإما قيام مانع يمنع من نفوذ الطلاق ، والمانع مفقود ; إذ ليس مع مدعي قيامه إلا التعليق المحال الباطل شرعا وعقلا ، وذلك لا يصح أن يكون مانعا .
يوضحه أن المانع من اقتضاء السبب لمسببه إنما هو وصف ثابت يعارض سببيته فيوقفها عن اقتضائها ، فأما المستحيل فلا يصح أن يكون مانعا معارضا للوصف الثابت ، وهذا في غاية الوضوح ، ولله الحمد .