صفحة جزء
[ ص: 231 ] فصل :

[ إبطال حيلة لإسقاط حق الشفعة ]

ومن الحيل الباطلة المحرمة التحيل على إسقاط ما جعله الله حقا للشريك على شريكه من استحقاق الشفعة دفعا للضرر ، والتحيل لإبطالها مناقض لهذا الغرض ، وإبطال لهذا الحكم بطريق التحيل .

وقد ذكروا وجوها من الحيل .

منها : أن يتفقا على مقدار الثمن ، ثم عند العقد يصبره صبرة غير موزونة ، فلا يعرف الشفيع ما يدفع ، فإذا فعلا ذلك فللشفيع أن يستحلف المشتري أنه لا يعرف قدر الثمن ، فإن نكل قضى عليه بنكوله ، وإن حلف فللشفيع أخذ الشقص بقيمته .

ومنها : أن يهب الشقص للمشتري ، ثم يهبه المشتري ما يرضيه ، وهذا لا يسقط الشفعة ، وهذا بيع وإن لم يتلفظا به ، فله أن يأخذ الشقص بنظير الموهوب .

ومنها : أن يشتري الشقص ، ويضم إليه سكينا أو منديلا بألف درهم ، فيصير حصة الشقص من الثمن مجهولة .

وهذا لا يسقط الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص بقيمته كما لو استحق أحد العوضين وأراد المشتري أخذ الآخر ، فإنه يأخذ [ هـ ] بحصته من الثمن إن انقسم الثمن عليهما بالأجزاء ، وإلا فبقيمته .

وهذا الشقص مستحق شرعا ; فإن الشارع جعل الشفيع أحق به من المشتري بثمن ، فلا يسقط حقه منه بالحيلة والمكر والخداع .

ومنها : أن يشتري الشقص بألف دينار ، ثم يصارفه عن كل دينار بدرهمين فإذا أراد أخذه أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد .

وهذه الحيلة لا تسقط الشفعة ، وإذا أراد أخذه أخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد وتواطأ عليه البائع والمشتري ; فإنه هو الذي انعقد به العقد ، ولا عبرة بما أظهراه من الكذب والزور والبهتان الذي لا حقيقة له ; ولهذا لو استحق المبيع فإن المشتري لا يرجع على البائع بألف دينار ، وإنما يرجع عليه بالثمن الذي تواطأ عليه واستقر عليه العقد ; فالذي يرجع به عند الاستحقاق هو الذي يدفعه الشفيع عند الأخذ .

هذا محض العدل الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ولا تحتمل الشريعة سواه .

ومنها : أن يشتري بائع الشقص من المشتري عبدا قيمته مائة درهم بألف درهم في ذمته ، ثم يبيعه الشقص بالألف .

وهذه الحيلة لا تبطل الشفعة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالثمن الذي يرجع به المشتري على البائع إذا استحق المبيع ، وهو قيمة العبد . [ ص: 232 ]

ومنها : أن يشتري الشقص بألف وهو يساوي مائة ، ثم يبرئه البائع من تسع مائة .

وهذا لا يسقط الشفعة ، ويأخذه الشفيع بما بقي من الثمن بعد الإسقاط ، وهو الذي يرجع به إذا استحق المبيع .

ومنها : أن يشتري جزءا من الشقص بالثمن كله ، ثم يهب له بقية الشقص .

وهذا لا يسقطها ، ويأخذ الشفيع الشقص كله بالثمن ; فإن هذه الهبة لا حقيقة لها ، والموهوب هو المبيع بعينه ، ولا تغير حقائق العقود وأحكامها التي شرعت فيها بتغير العبارة .

وليس للمكلف أن يغير حكم العقد بتغيير عبارته فقط مع قيام حقيقته ، وهذا لو أراد من البائع أن يهبه جزءا من ألف جزء من الشقص بغير عوض لما سمحت نفسه بذلك ألبتة ، فكيف يهبه ما يساوي مائة ألف بلا عوض ؟ وكيف يشتري منه

. الآخر مائة درهم بمائة ألف ؟ وهل هذا إلا سفه يقدح في صحة العقد ؟ قال الإمام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد ، وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة ، فقال : لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ، ولا في إبطال حق مسلم .

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذه الحيل وأشباهها : من يخدع الله يخدعه ، والحيلة خديعة .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الخديعة لمسلم } والله تعالى ذم المخادعين ، والمتحيل مخادع ; لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر ، فلو شرع التحيل لإبطالها لكان عودا على مقصود الشريعة بالإبطال ، وللحق الضرر الذي قصد إبطاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية