[ استئجار الشمع ليشعله ]
المثال الخامس : لا يجوز
استئجار الشمع ليشعله ، لذهاب عين المستأجر ، والحيلة في تجويز هذا العقد أن يبيعه من الشمعة أواقي معلومة ، ثم يؤجره إياها ، فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر ، وإلا احتسب له بما أذهبه منها ، وأحسن من هذه الحيلة أن
يقول : بعتك من هذه الشمعة كل أوقية منها بدرهم ، قل المأخوذ منها أو كثر ، وهذا جائز على أحد القولين في مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، واختاره
شيخنا ، وهو الصواب المقطوع به ، وهو مخرج على نص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في جواز إجارة الدار كل شهر بدرهم ، وقد أجر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه في الجنة نفسه كل دلو بتمرة ، ولا محذور في هذا أصلا ، ولا يفضي إلى تنازع ولا تشاحن ، بل عمل الناس في أكثر بياعاتهم عليه ، ولا يضره جهالة كمية المعقود عليه عند البيع ; لأن الجهالة المانعة من صحة العقد هي التي تؤدي إلى القمار والغرر ، ولا يدري العاقد على أي شيء يدخل ، وهذه لا تؤدي إلى شيء من ذلك ، بل إن أراد قليلا أخذ والبائع راض ، وإن أراد كثيرا أخذ والبائع راض ، والشريعة لا تحرم مثل هذا ولا تمنع منه ، بل هي أسمح من ذلك وأحكم .
فإن قيل : لكن في العقد على هذا الوجه محذوران ; أحدهما : تضمنه للجمع بين البيع والإجارة ، والثاني : أن مورد عقد الإجارة يذهب عينه أو بعضه بالإشعال .
قيل : لا محذور في الجمع بين عقدين كل منهما جائز بمفرده ، كما لو
باعه سلعة وأجره داره شهرا بمائة درهم ، وأما مذهب إجزاء المستأجر بالانتفاع فإنما لم يجز ; لأنه لم يتعوض عنه المؤجر ، وعقد الإجارة يقتضي رد العين بعد الانتفاع ، وأما هذا العقد فهو عقد بيع يقتضي ضمان المتلف بثمنه الذي قدر له وأجرة انتفاعه بالعين قبل الإتلاف ، فالأجرة في مقابلة انتفاعه بها مدة بقائها ، والثمن في مقابلة ما أذهب منها ، فدعونا من تقليد آراء الرجال ، ما الذي حرم هذا ؟ وأين هو في كتاب الله وسنة رسوله أو أقوال الصحابة أو القياس
[ ص: 266 ] الصحيح الذي يكون فيه الفرع مساويا للأصل ويكون حكم الأصل ثابتا بالكتاب أو السنة أو الإجماع ؟ وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلد المتعصب المقر على نفسه بما شهد عليه به جميع أهل العلم أنه ليس من جملتهم فذاك وما اختار لنفسه ، وبالله التوفيق .