[ إقرار المضطهد ]
وهذا يشبه
إقرار المضطهد الذي قد اضطهد ودفع عن حقه حتى يسقط حقا آخر ، والسلف كانوا يسمون مثل هذا مضطهدا ، كما قال
حماد بن سلمة : حدثنا
حميد عن
الحسن أن رجلا تزوج امرأة ، وأراد سفرا ، فأخذه أهلها ، فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر ، فجاء الأجل ، ولم يبعث إليها بشيء ، فلما قدم خاصموه إلى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - كرم الله وجهه - فقال : اضطهدتموه حتى جعلها طالقا ، فردها عليه .
ومعلوم أنه لم يكن هناك إكراه بضرب ، ولا أخذ مال ، وإنما طالبوه بما يجب عليه من نفقتها ، وذلك ليس بإكراه ، ولكن لما تعنتوه باليمين جعله مضطهدا ; لأنه عقد اليمين ; ليتوصل إلى قصده من السفر ، فلم يكن حلفه عن اختيار ، بل هو كالمحمول عليه .
[
الفرق بين المضطهد والمكره ] والفرق بينه وبين المكره أن المكره قاصد لدفع الضرر باحتمال ما أكره عليه ، وهذا قاصد للوصول إلى حقه بالتزام ما طلب منه ، وكلاهما غير راض ، ولا مؤثرا لما التزمه ، وليس له وطر فيه .
فتأمل هذا ، ونزله على قواعد الشرع ومقاصده ، وهذا ظاهر جدا في أن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - لم يكن يرى الحلف بالطلاق موقعا للطلاق إذا حنث به
[ ص: 26 ] وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وعكرمة ، وأهل الظاهر
nindex.php?page=showalam&ids=12068وأبي عبد الرحمن الشافعي ، وهو أجل أصحابه على الإطلاق ، قال بعض الحفاظ : ولا يعلم
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي مخالف من الصحابة ، وسيأتي الكلام في المسألة ، إن شاء الله ، إذ المقصود أن من
أقر أو حلف أو وهب أو صالح لا عن رضا منه ، ولكن منع حقه إلا بذلك ، فهو بالمكره أشبه منه بالمختار ، ومثل هذا لا يلزمه ما عقده من هذه العقود .
ومن له قدم راسخ في الشريعة ، ومعرفة بمصادرها ومواردها ، وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى ، والعلم والحجة آثر عنده من التقليد ، ولم يكد يخفى عليه وجه الصواب ، والله الموفق ، وهذه المسألة من نفائس هذا الكتاب ، والجاهل الظالم لا يرى الإحسان إلا إساءة ، ولا الهدى إلا الضلالة .
فقل للعيون الرمد للشمس أعين سواك تراها في مغيب ومطلع وسامح نفوسا بالقشور قد ارتضت
وليس لها للب من متطلع
.