[ استيثاق كل من الراهن والدائن بماله ]
المثال الحادي عشر بعد المائة : إذا
كان له على رجل مال ، وبالمال رهن ، فادعى صاحب الرهن به عند الحاكم ، فخاف المرتهن أن يقر بالرهن ، فيقول الراهن : قد أقررت بأن لي رهنا في يدك ، وادعيت الدين ، فينزعه من يده ، ولا يقر له بالدين ، فقد ذكروا له حيلة تحرز حقه ، وهي أن لا يقر به حتى يقر له صاحبه بالدين ، فإن ادعاه ، وسأل إحلافه أنكر وحلف ، وعرض في يمينه ، بأن ينوي أن هذا ليس له قبل ملكه أو إذا باعه ، أو ليس له عاريا عن تعلق الحق به ، ونحو ذلك .
وأحسن من هذه الحيلة أن يفصل في جواب الدعوى فيقول : إن ادعيته رهنا في يدي على ألف لي عليك فأنا مقر به ، وإن ادعيته على غير هذا الوجه فلا أقر لك ، وينفعه هذا الجواب ، كما قالوا فيما إذا ادعى عليه ألفا ، فقال : إن ادعيتها من ثمن مبيع لم أقبضه منك فأنا مقر ، وإلا فلا ، وهذا مثله سواء .
فإن كان الغريم هو المدعي للمال فخاف الراهن أن يقر بالمال فيجحد المرتهن الرهن فيلزم الراهن المال ، ويذهب رهنه ، فالحيلة في أمنه من ذلك أن يقول : إن ادعيت هذا المال ، وأنك تستحقه من غير رهن لي عندك فلا أقر به ، وإن ادعيته مع كوني رهنتك به كذا وكذا فأنا مقر به ، ولا يزيد على هذا .
وقالت الحنفية : الحيلة أن يقر منه بدرهم فيقول : لك علي درهم ، ولي عندك رهن كذا وكذا ، فإذا سأل الحاكم المدعي عن الرهن ، فإما أن يقر به ، وإما أن ينكر ، فإن أقر به فليقر له خصمه بباقي دينه ، وإن أنكره وحلف عليه وسع الآخر أن يجحد باقي الدين ويحلف عليه إن كان الرهن بقدر الدين أو أكثر منه ، وإن كان أقل منه لزمه أن يعطيه ما زاد
[ ص: 35 ] على قيمة الرهن من حقه ، قالوا : لأن الرهن إن كان قد تلف بغير تفريطه سقط ما يقابله من الدين ، وإن كان قد فرط فيه صارت قيمته دينا عليه ، فيكون قصاصا بالدين الذي له .
وهذا بناء على أصلين لهم : أحدهما : أن الرهن مضمون على المرتهن بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين ، والثاني : جواز الاستيفاء في مسألة الظفر .