ولو
حلف على من يقصد منعه كعبده وزوجته وولده ، وأجيره ففعل المحلوف عليه ناسيا أو جاهلا فهو كما لو حلف على فعل نفسه ففعله ناسيا أو جاهلا ، هو على الروايات الثلاث ، وكذلك هو على القولين في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن منعه لمن يمتنع بيمينه كمنعه لنفسه ; فلو
حلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة هو فيهم ، ولم يعلم فإن لم نحنث الناسي فهذا أولى بعدم الحنث لأنه لم يقصده ، والناسي قد قصد التسليم عليه ، وإن حنثنا الناسي هل يحنث هذا ؟ على روايتين ، إحداهما : يحنث لأنه بمنزلة الناسي ; إذ هو جاهل بكونه معهم .
والثانية : - وهي أصح - أنه لا يحنث ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13028أبو البركات وغيره ، وهذا يدل على أن الجاهل أعذر من الناسي ، وأولى بعدم الحنث .
وصرح به أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأيمان ، ولكن تناقضوا كلهم في جعل الناسي في الصوم أولى بالعذر من الجاهل ، ففطروا الجاهل دون الناسي ، وسوى
شيخنا بينهما ، وقال : الجاهل أولى بعدم الفطر من الناسي ، فسلم من التناقض .
وقد سووا بين الجاهل والناسي فيمن
حمل النجاسة في الصلاة ناسيا أو جاهلا ، ولم يعلم حتى فرغ منها ، فجعلوا الروايتين والقولين في الصورتين سواء ، وقد سوى الله تعالى بين المخطئ والناسي في عدم المؤاخذة ، وسوى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11222إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان } فالصواب التسوية بينهما .
فصل :
[
فعل المحلوف عليه مكرها ]
وأما إذا فعل المحلوف عليه مكرها فعن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتان منصوصتان ، إحداهما : يحنث
[ ص: 68 ] في الجميع ، والثانية : لا يحنث في الجميع ، وهما قولان
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13028أبو البركات رواية ثالثة أنه يحنث باليمين بالطلاق والعتاق دون غيرهما من الأيمان من نصه على الفرق في صورة الجاهل والناسي ، فإن ألجئ أو حمل أو فتح فمه وأوجر ما حلف أنه لا يشربه فإن لم يقدر على الامتناع لم يحنث ، وإن قدر على الامتناع فوجهان ، وإذا لم يحنث فاستدام ما ألجئ عليه كما لو ألجئ إلى دخول دار حلف أنه لا يدخلها ، فهل يحنث ؟ فيه وجهان ، ولو
حلف على غيره ممن يقصد منعه على ترك فعل ففعله مكرها أو ملجأ فهو على هذا الخلاف سواء .
فصل :
[ حكم المتأول ]
أما المتأول فالصواب أنه لا يحنث كما لم يأثم في الأمر والنهي ، وقد صرح به الأصحاب فيما لو
حلف أنه لا يفارق غريمه حتى يقبض حقه فأحاله به ففارقه يظن أن ذلك قبض ، وأنه بر في يمينه ، فحكوا فيه الروايات الثلاث ، وطرد هذا كل متأول ظن أنه لا يحنث بما فعله ; فإن غايته أن يكون جاهلا بالحنث ، وفي الجاهل الروايات الثلاث .
وإذا ثبت هذا في حق المتأول فكذلك في حق المقلد أولى ، فإذا
حلف بالطلاق ألا يكلم فلانا أو لا يدخل داره فأفتاه مفت بعدم وقوع الطلاق في هذه اليمين ، اعتقادا لقول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ، أو اعتقادا لقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال في صيغة الالتزام دون صيغة الشرط ، أو اعتقادا لقول
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب - ، وهو أجل أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - أنه إذا علق الطلاق بفعل الزوجة أنه لم يحنث بفعلها ، أو اعتقادا لقول
nindex.php?page=showalam&ids=12068أبي عبد الرحمن الشافعي أجل أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إن الطلاق المعلق لا يصح كما لا يصح النكاح والبيع والوقف المعلق ، وهو مذهب جماعة من
أهل الظاهر ، لم يحنث في ذلك كله ، ولم يقع الطلاق ، ولو فرض فساد هذه الأقوال كلها فإنه إنما فعل المحلوف عليه متأولا مقلدا ظانا أنه لا يحنث به ، فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناسي ، وغاية ما يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يستقص ، ولم يسأل غير من أفتاه ، وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث ، ولم يسأل عن المحلوف عليه ، فلو صح هذا الفرق لبطل عذر الجاهل ألبتة ، فكيف والمتأول مطيع لله مأجور إما أجرا واحدا أو أجرين ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ
nindex.php?page=showalam&ids=22خالدا في تأويله حين قتل
بني جذيمة بعد إسلامهم ، ولم يؤاخذ
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله لأجل
[ ص: 69 ] التأويل ، ولم يؤاخذ من أكل نهارا في الصوم عمدا لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ أصحابه حين قتلوا من سلم عليهم ، وأخذوا غنيمته لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ المستحاضة بتركها الصوم والصلاة لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه حين ترك الصلاة لما أجنب في السفر ، ولم يجد ماء ، ولم يؤاخذ من تمعك في التراب كتمعك الدابة وصلى لأجل التأويل ، وهذا أكثر من أن يستقصى .
وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر في قتالهم في الفتنة ، قال
الزهري : وقعت الفتنة ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم متوافرون ، فأجمعوا على أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر ، أنزلوهم منزلة الجاهلية ، ولم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رمى
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة المؤمن البدري بالنفاق لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير بقوله
nindex.php?page=showalam&ids=37لسعد سيد
الخزرج : " إنك منافق تجادل عن المنافقين " لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ من قال عن
مالك بن الدخشم : " ذلك المنافق نرى وجهه وحديثه إلى المنافقين " لأجل التأويل ، ولم يؤاخذ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ضرب صدر
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة حتى وقع على الأرض وقد ذهب للتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فمنعه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وضربه وقال : " ارجع " ، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعله ، ولم يؤاخذه لأجل التأويل .
وكما رفع مؤاخذة التأثيم في هذه الأمور وغيرها رفع مؤاخذة الضمان في الأموال والقضاء في العبادات ، فلا يحل لأحد أن يفرق بين رجل وامرأته لأمر يخالف مذهبه وقوله الذي قلد فيه بغير حجة ; فإذا كان الرجل قد تأول وقلد من أفتاه بعدم الحنث فلا يحل له أن يحكم عليه بأنه حانث في حكم الله ورسوله ، ولم يتعمد الحنث ، بل هذه فرية على الله ورسوله وعلى الحالف ، وإذا وصل الهوى إلى هذا الحد فصاحبه تحت الدرك ، وله مقام ، وأي مقام بين يدي الله يوم لا ينفعه شيخه ولا مذهبه ومن قلده ، والله المستعان .
وإذا قال الرجل لامرأته : " أنت طالق ثلاثا لأجل كلامك لزيد وخروجك من بيتي " فبان أنها لم تكلمه ، ولم تخرج من بيته لم تطلق ، صرح به الأصحاب قال
ابن أبي موسى في الإرشاد فإن قال : " أنت طالق إن دخلت الدار " بنصب الألف ، والحالف من أهل اللسان ، فإن كان تقدم لها دخول إلى تلك الدار قبل اليمين طلقت في الحال ; لأن ذلك للماضي من الفعل دون المستقبل ، وإن كانت لم تدخلها قبل اليمين بحال لم تطلق ، وإن دخلت الدار بعد اليمين إذا كان الحالف قصد بيمينه الفعل الماضي دون المستقبل ، لأن معنى ذلك إن كنت دخلت الدار فأنت طالق ، وإن كان الحالف جاهلا باللسان ، وإنما أراد باليمين الدخول
[ ص: 70 ] المستقبل فمتى دخلت الدار بعد اليمين طلقت بما حلف به قولا واحدا ، وإن كان تقدم لها دخول الدار قبل اليمين فهل يحنث بالدخول الماضي أم لا ؟ على وجهين أصحهما لا يحنث .
والمقصود أنه إذا علل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه لا يقع بها الطلاق ، وعند
شيخنا لا يشترط ذكر التعليل بلفظه ، ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أو غير مذكورة ، فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق ، وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره ، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره ، فإذا
قيل له : امرأتك قد شربت مع فلان أو باتت عنده ، فقال : اشهدوا علي أنها طالق ثلاثا ، ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي فإن هذا الطلاق لا يقع به قطعا ، وليس بين هذا وبين قوله : " إن كان الأمر كذلك فهي طالق ثلاثا " فرق ألبتة ، لا عند الحالف ولا في العرف ولا في الشرع ، فإيقاع الطلاق بهذا وهم محض ; إذ يقطع بأنه لم يرد طلاق من ليست كذلك ، وإنما أراد طلاق من فعلت ذلك ، وقد أفتى جماعة من الفقهاء من أصحاب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - منهم
الغزالي nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال وغيرهما الرجل يمر على المكاس برقيق له فيطالبه بمكسهم فيقول : " هم أحرار " ليتخلص من ظلمه ، ولا غرض له في عتقهم ، أنهم لا يعتقون ، وبهذا أفتينا نحن تجار
اليمن لما قدموا منها ومروا على المكاسين فقالوا لهم ذلك ، وقد صرح به أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في باب الكتابة بما إذا دفع إليه العوض فقال : " اذهب فأنت حر " بناء على أنه قد سلم له العوض فظهر العوض مستحقا ورجع به على صاحبه أنه لا يعتق ، وهذا هو الفقه بعينه ، وصرحوا أن الرجل لو علق طلاق امرأته بشرط فظن أن الشرط قد وقع فقال : " اذهبي فأنت طالق " ، وهو يظن أن الطلاق قد وقع بوجود الشرط فبان أن الشرط لم يوجد لم يقع الطلاق ، ونص على ذلك
شيخنا قدس الله روحه ، ومن هذا القبيل ما لو قال " حلفت بطلاق امرأتي ثلاثا ألا أفعل كذا " ، وكان كاذبا ثم فعله لم يحنث ، ولم تطلق عليه امرأته .
قال
الشيخ في المغني : إذا قال : حلفت ، ولم يكن حلف فقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : هي كذبة ليس عليه يمين ، وعنه عليه الكفارة ; لأنه أقر على نفسه ، والأول هو المذهب لأنه حكم فيما بينه وبين الله تعالى فإنه كذب في الخبر به كما لو قال : " ما صليت " وقد صلى .
قلت : قال
أبو بكر عبد العزيز : باب القول في إخبار الإنسان بالطلاق واليمين كاذبا ، قال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني : إذا قال : " حلفت بيمين " ، ولم يكن حلف فعليه كفارة يمين ، فإن قال : " قد حلفت بالطلاق " ، ولم يكن حلف بها يلزمه الطلاق ، ويرجع إلى نيته في الواحدة والثلاث ، وقال في رواية
محمد بن الحكم في الرجل يقول : قد حلفت ، ولم يكن حلف : فهي
[ ص: 71 ] كذبة ليس عليه يمين ، فاختلف أصحابنا على ثلاث طرق ، إحداها : أن المسألة على روايتين ، والثانية - : وهي طريقة
أبي بكر - قال عقيب حكاية الروايتين : قال
عبد العزيز في الطلاق : يلزمه وفيما لا يكون من الأيمان : لا يلزمه ، والطريقة الثالثة : أنه حيث ألزمه أراد به في الحكم ، وحيث لم يلزمه بقي فيما بينه وبين الله ، وهذه الطريقة أفقه ، وأطرد على أصول مذهبه ، والله أعلم
فصل :
وأما مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في هذا الفصل فالمشهور فيه التفريق بين النسيان والجهل والخطإ وبين الإكراه والعجز ، ونحن نذكر كلام أصحابه في ذلك .
قالوا : من حلف ألا يفعل حنث بحصول الفعل ، عمدا أو سهوا أو خطأ ، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14554أبو القاسم السيوري ومن تبعه من محققي الأشياخ أنه لا يحنث إذا نسي اليمين ، وهذا اختيار القاضي
أبي بكر بن العربي ، قالوا : ولو أكره لم يحنث .
فصل :
في تعذر فعل المحلوف عليه وعجز الحالف عنه .
قال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : من حلف على شيء ليفعلنه فحيل بينه وبين فعله ، فإن أجل أجلا فامتنع الفعل لعدم المحل وذهابه كموت العبد المحلوف على ضربه أو الحمامة المحلوف على ذبحها فلا حنث عليه بلا خلاف منصوص ، وإن امتنع الفعل لسبب منع الشرع كمن
حلف ليطأن زوجته أو أمته فوجدها حائضا فقيل : لا شيء عليه .
قلت : وهذا هو الصواب ، لأنه إنما حلف على وطء يملكه ، ولم يقصد الوطء الذي لم يملكه الشارع إياه ، فإن قصده حنث ، وهذا هو الصواب : لأنه إنما حلف على وطء يملكه ، وهكذا في صورة العجز الصواب أنه لا يحنث ; فإنه إنما حلف على شيء يدخل تحت قدرته ، ولم يلتزم فعل ما لا يقدر عليه ، فلا تدخل حالة العجز تحت يمينه ، وهذا بعينه قد قالوه في المكره والناسي والمخطئ ، والتفريق تناقض ظاهر ; فالذي يليق بقواعد
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأصوله أنه لا يحنث في صورة العجز ، سواء كان العجز لمنع شرعي أو منع كوني قدري ، كما هو قوله فيما لو كان العجز لإكراه مكره ، ونصه على خلاف ذلك لا يمنع أن يكون عنده رواية مخرجة من أصوله المذكورة ، وهذا من أظهر التخريج ، فلو وطئ مع الحيض وعصى فهل يتخلص من الحنث ؟ فيه وجهان في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، أحدهما : يتخلص ، وإن أثم بالوطء كما لو
حلف بالطلاق ليشربن هذه الخمر فشربها فإنه لا تطلق عليه زوجته ، والثاني
[ ص: 72 ] لا يبر ; لأنه إنما حلف على فعل وطء مباح ، فلا تتناول يمينه المحرم ، فيقال : إذا كان إنما حلف على وطء مأذون فيه شرعا لم تتناول يمينه المحرم فلا يحنث بتركه بعين ما ذكرتم من الدليل ، وهذا ظاهر ، وحرف المسألة أن يمينه لم تتناول المعجوز عنه لا شرعا ولا قدرا فلا يحنث بتركه ، وإن كان الامتناع بمنع ظالم كالغاصب والسارق أو غير ظالم كالمستحق فهل يحنث أم لا ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لا يحنث ، وهو الصواب ; لما ذكر ، وقال غيره من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يحنث ; لأن المحل باق ، وإنما حيل بينه وبين الفعل فيه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي في هذا الأصل قولان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني : ولو حلف ليشربن ما في هذه الإداوة غدا فأريق قبل الغد بغير اختياره فعلى قولي الإكراه ، قال : والأولى أن لا يحنث ، وإن حنثنا المكره لعجزه عن الشرب وقدرة المكره على الامتناع ، فجعل الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد العاجز أولى بالعذر من المكره ، وسوى غيره بينهما ، ولا ريب أن قواعد الشريعة وأصولها تشهد بهذا القول ; فإن الأمر والنهي من الشارع نظير الحض والمنع في اليمين ، وكما أن أمره ونهيه منوط بالقدرة فلا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة فكذلك الحض والمنع في اليمين إنما هو مقيد بالقدرة .
يوضحه أن الحالف يعلم أن سر نفسه أنه لم يلتزم فعل المحلوف عليه مع العجز عنه ، وإنما التزمه مع قدرته عليه ، ولهذا لم يحنث المغلوب على الفعل بنسيان أو إكراه ، ولا من لا قصد له إليه كالمغمى عليه وزائل العقل ، وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية ، وهو مقتضى أصول الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وإن كان المنصوص عنه خلافه ، فإنه قال في رواية ابنه
صالح : إذا
حلف أن يشرب هذا الماء الذي في هذا الإناء فانصب فقد حنث ، ولو
حلف أن يأكل رغيفا فجاء كلب فأكله فقد حنث ; لأن هذا لا يقدر عليه ، وقال في رواية
جعفر بن محمد : إذا
حلف الرجل على غريمه أن لا يفارقه حتى يستوفي منه ماله فهرب منه مخاتلة فإنه يحنث ، وهذا ، وأمثاله من نصوصه مبني على قوله في المكره والناسي والجاهل " إنه يحنث " كما نص عليه ، فإنه قال في رواية
أبي الحارث : إذا
حلف أن لا يدخل الدار فحمل كرها فأدخل فإنه لا يحنث ، وكذلك نص على حنث الناسي والجاهل فقد جعل الناسي والجاهل والمكره والعاجز بمنزلة ، ونص في رواية
أبي طالب : إذا حلف أن لا يدخل الدار فحمل كرها فأدخل فلا شيء عليه ، وقد قال في رواية
أحمد بن القاسم :
والذباب يدخل حلق الصائم والرجل يرمي بالشيء فيدخل حلق الآخر وكل أمر غلب عليه فليس عليه قضاء ولا غيره ، وتواترت نصوصه فيمن أكل في رمضان أو شرب ناسيا فلا قضاء
[ ص: 73 ] عليه ; فقد سوى بين الناسي والمغلوب ، وهذا محض القياس والفقه ، ومقتضى ذلك التسوية بينهما في باب الأيمان كما نص عليه في المكره ، فتخرج مسألة العاجز والمغلوب على الروايتين ، بل المغلوب والعاجز أولى بعدم الحنث من الناسي والجاهل ، كما تقدم بيانه ، وبالله التوفيق .