فصل :
[ القول في جواز الفتوى بالآثار السلفية ]
في جواز
الفتوى بالآثار السلفية والفتاوي الصحابية ، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ، وأن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين ، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين ، وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب ، وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل ، كما أن عصر التابعين ، وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ، ولكن المفضلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر ، وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم ; فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ، ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=12418، وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي بن المديني nindex.php?page=showalam&ids=17032ومحمد بن نصر المروزي ، وأمثالهم ، بل يترك قول
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، وأمثالهم ، بل لا يلتفت إلى قول
[ ص: 91 ] nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، وأمثالهم ، بل لا يعد قول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ، وأبي وائل وجعفر بن محمد ، وأضرابهم مما يسوغ الأخذ به ، بل يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود
[
وأبي بن كعب ]
nindex.php?page=showalam&ids=4، وأبي الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14وعبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=110، وأبي موسى الأشعري ، وأضرابهم ، فلا يدري ما عذره غدا عند الله إذا سوى بين أقوال أولئك وفتاويهم ، وأقوال هؤلاء وفتاويهم ، فكيف إذا رجحها عليها ؟ فكيف إذا عين الأخذ بها حكما ، وإفتاء ، ومنع الأخذ بقول الصحابة ، واستجاز عقوبة من خالف المتأخرين لها ، وشهد عليه بالبدعة والضلالة ومخالفة أهل العلم ، وأنه يكيد الإسلام ؟ تالله لقد أخذ بالمثل المشهور " رمتني بدائها وانسلت " وسمي ورثة الرسول باسمه هو ، وكساهم أثوابه ، ورماهم بدائه ، وكثير من هؤلاء يصرخ ويصيح ويقول ويعلن أنه يجب على الأمة كلهم الأخذ بقول من قلدناه ديننا ، ولا يجوز الأخذ بقول
أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وغيرهم من الصحابة .
وهذا كلام من أخذ به وتقلده ولاه الله ما تولى ، ويجزيه عليه يوم القيامة الجزاء الأوفى ، والذي ندين الله به ضد هذا القول ، والرد عليه فنقول :
[
ترتيب الأخذ بفتاوى الصحابة والتابعين ] إذا قال الصحابي قولا فإما أن يخالفه صحابي آخر أو لا يخالفه ، فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر ، وإن خالفه أعلم منه كما إذا خالف الخلفاء الراشدون أو بعضهم غيرهم من الصحابة في حكم ، فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم حجة على الآخرين ؟ فيه قولان للعلماء ، وهما روايتان عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، والصحيح أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح ، وأولى أن يؤخذ به من الشق الآخر ، فإن كان الأربعة في شق فلا شك أنه الصواب ، وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب ، وإن كانوا اثنين واثنين فشق
أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر أقرب إلى الصواب ، فإن اختلف
أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر فالصواب مع
أبي بكر .
وهذه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم ، ويكفي في ذلك معرفة رجحان قول
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق في الجد والإخوة ، وكون الطلاق الثلاث بفم واحد مرة واحدة ، وإن تلفظ فيه بالثلاث ، وجواز بيع أمهات الأولاد ، وإذا نظر العالم المنصف في أدلة هذه المسائل من الجانبين تبين له أن جانب
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق أرجح ، وقد تقدم بعض ذلك في مسألة الجد والطلاق الثلاث بفم واحد ،
[ ص: 92 ] ولا يحفظ
nindex.php?page=showalam&ids=1للصديق خلاف نص واحد أبدا ، ولا يحفظ له فتوى ولا حكم مأخذها ضعيف أبدا ، وهو تحقيق لكون خلافته خلافة نبوة .