[ يجوز للمفتي أن يحلف على ثبوت الحكم ] الفائدة الثامنة :
يجوز
للمفتي والمناظر أن يحلف على ثبوت الحكم عنده ، وإن لم يكن حلفه موجبا لثبوته عند السائل والمنازع ; ليشعر السائل والمنازع له أنه على ثقة ويقين مما قال له ، وأنه غير شاك فيه ، فقد تناظر رجلان في مسألة ; فحلف أحدهما على ما يعتقده ، فقال له منازعه : لا يثبت الحكم بحلفك ، فقال : إني لم أحلف ليثبت الحكم عندك ، ولكن ; لأعلمك أني على يقين وبصيرة من قولي ، وأن شبهتك لا تغير عندي في وجه يقيني ما أنا جازم به .
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحلف على ثبوت الحق الذي جاء به في ثلاثة مواضع من كتابه ، أحدها : {
ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق } والثاني : قوله تعالى {
: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب } والثالث : قوله تعالى {
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } .
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخبر به من الحق في أكثر من ثمانين موضعا ، وهي موجودة في الصحاح والمسانيد ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحلفون على الفتاوى والرواية ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24407فقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس في متعة النساء : إنك امرؤ تائه ، فانظر ما تفتي به في متعة النساء ، فوالله وأشهد بالله لقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم } .
ولما ولي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل المتعة ثلاثا ، ثم حرمها ثلاثا ، فأنا أقسم بالله قسما لا أجد أحدا من المسلمين متمتعا إلا رجمته ، إلا أن يأتي بأربعة من المسلمين يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها .
وقد حلف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في بعض أجوبته ، فقال
محمد بن الحكم : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه عن المتعة كان يكون فيها طلاق أو ميراث أو نفقة أو شهادة ؟ فقال : لا والله ما أدري .
وقال يزيد بن هارون : من قال القرآن مخلوق أو شيء منه مخلوق فهو والله عندي زنديق
[ ص: 127 ]
وسئل عن حديث
جرير في الرؤية ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو من كذب به ما هم إلا زنادقة ، وأما الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمة الله عليه ورضوانه فإنه حلف على عدة مسائل من فتاويه .
قيل :
أيزيد الرجل في الوضوء على ثلاث مرات ؟ فقال : لا والله ، إلا رجل مبتلى ، يعني بالوسواس .
وسئل عن
تخلل الرجل لحيته إذا توضأ ، فقال : إي والله .
وسئل يكون
الرجل في الجهاد بين الصفين يبارز علجا بغير إذن الإمام ، فقال : لا والله .
وقيل له : أتكره
الصلاة في المقصورة ؟ فقال : إي والله ،
قلت : وهذا لما كانت المقصورة تحمى للأمراء وأتباعهم .
وسئل : أيؤجر الرجل على بغض من خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إي والله .
وسئل :
من قال القرآن مخلوق كافر ؟ فقال : إي والله ، وسئل : هل صح عندك في النبيذ حديث ؟ فقال : والله ما صح عندي حديث واحد إلا على التحريم .
وسئل : أيكره
الخضاب بالسواد ؟ فقال : إي والله ، وسئل عن
الرجل يؤم أباه ويصلي الأب خلفه ، فقال : إي والله .
وسئل : هل يكره
النفخ في الصلاة ؟ فقال : إي والله .
وسئل عن
تزوج الرجل المسلم الأمة من أهل الكتاب ، فقال : لا والله .
وسئل عن
المرأة تستلقي على قفاها وتنام ، يكره ذلك ؟ فقال : إي والله .
وسئل عن
الرجل يرهن جاريته فيطؤها وهي مرهونة ، فقال : لا والله .
وسئل عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في
رجل استسقى قوما ، وهو عطشان فلم يسقوه فمات فأغرمهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الدية ، تقول أنت كذا ؟ قال : إي والله .
وسئل عن
الرجل إذا حد في القذف ثم قذف زوجته يلاعنها ؟ فقال : إي والله .
وسئل
[ أ ] يضرب الرجل رقيقه ؟ فقال : إي والله ، ذكر هذه المسائل
القاضي أبو علي الشريف .
وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية ابنه
صالح : والله لقد أعطيت المجهود من نفسي ، ولوددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي ، وقال في روايته أيضا : والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان ، وإنه لأتمنى الموت في هذا ، وهذا فتنة الدنيا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : يكره
الخاتم من ذهب أو حديد ؟ فقال : إي والله .
وقال
إسحاق أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : يؤجر الرجل يأتي أهله وليس له شهوة في النساء ؟ فقال : إي والله ، يحتسب الولد ، وإن لم يرد الولد ، إلا أنه يقول : هذه امرأة شابة .
وقال له
محمد بن عون : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله يقولون : إنك وقفت على
عثمان ، فقال : كذبوا والله علي ، وإنما حدثتهم بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13055كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نقول : أبو بكر ثم [ ص: 128 ] nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ثم عثمان ثم nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكره ، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا تخايروا بعد هؤلاء ، فمن وقف على عثمان ولم يربع nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي عليه السلام فهو على غير السنة } .
وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : هل المقام
بالثغر أفضل من المقام
بمكة ؟ فقال : إي والله .
وذكر
أبو أحمد بن عدي في الكامل : أن
أيوب بن إسحاق بن سافري قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فقلت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق إذا انفرد بحديث تقبله ؟ فقال : لا والله ، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث ، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16207صالح بن أحمد : قلت لأبي : تقتل الحية والعقرب في الصلاة ؟ فقال : إي والله ، وقال أيضا : قلت لأبي : تجهر بآمين ؟ فقال : إي والله الإمام وغير الإمام ، وقال أيضا : قلت لأبي : يفتح على الإمام ؟ قال : إي والله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : ونحن نحتاج في رمضان أن نبيت الصوم من الليل ؟ فقال : إي والله ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني أيضا : تباع الفرس الحبيس إذا عطبت وإذا فسدت ؟ فقال : إي والله ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة شيء ؟ فأملى علي أبي : إي والله ، وفي غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ؟ قال : إي والله ، وقال
الكوسج أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : قال
سفيان : تجزئه تكبيرة إذا نوى بها افتتاح الصلاة ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إي والله تجزئه إذا نوى ،
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد ، وقال أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد :
المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ؟ قال : إي والله ، وقال أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : سئل
سفيان عن
امرأة ماتت وفي بطنها ولد يتحرك ، ما أرى بأسا أن يشق بطنها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : بئس والله ما قال ، يردد ذلك سبحان الله ، بئس ما قال .
وقال أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : تجوز
شهادة رجل وامرأتين في الطلاق ؟ قال : لا والله ، وقال أيضا : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : المرجئ إذا كان داعيا ، قال : إي والله يجفى ويقصى .
وقال
أبو طالب : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد :
رجل قال القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ولكن لفظي هذا به مخلوق ، قال : من قال هذا فقد جاء بالأمر كله ، إنما هو كلام الله على كل حال ، والحجة فيه حديث
أبي بكر {
الم غلبت الروم } فقيل له : هذا مما جاء به
[ ص: 129 ] صاحبك ؟ فقال : لا والله ، ولكنه كلام الله ، هذا وغيره ، وإنما هو كلام الله ، قلت : بسم الله الرحمن الرحيم {
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } هذا الذي قرأت الساعة كلام الله ؟ قال : إي والله هو كلام الله .
ومن قال " لفظي بالقرآن مخلوق " فقد جاء بالأمر كله ، وقال
الفضل بن زياد : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله عن حديث
ابن شبرمة عن
الشعبي في
رجل نذر أن يطلق امرأته ، فقال له
الشعبي : أوف بنذرك ، أترى ذلك ؟ فقال : لا والله ، وقال
الفضل أيضا : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان ، فقال : لا والله ، ما أدركنا مثله .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رسالته إلى
مسدد : ولا عين نظرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خيرا من
أبي بكر ، ولا بعد
أبي بكر عين نظرت خيرا من
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، ولا بعد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عين نظرت خيرا من
عثمان ، ولا بعد
عثمان عين نظرت خيرا من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : هم والله الخلفاء الراشدون المهديون .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد :
جابر الجعفي ، قال : كان يرى التشيع ، قلت : قد يتهم في حديثه بالكذب ؟ قال : إي والله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : فإن قيل : كيف استجاز الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أن يحلف في مسائل مختلف فيها ؟ قيل : أما مسائل الأصول فلا يسوغ فيها اختلاف فهي إجماع ، وأما مسائل الفروع فإنه لما غلب على ظنه صحة ذلك حلف عليه ، كما لو
وجد في دفتر أبيه أن له على فلان دينا جاز له أن يدعيه لغلبة الظن بصدقه ، قلت : ويحلف عليه ، قال : فإن قيل أليس قد امتنع من اليمين على إسقاط الشفعة بالجوار ، قيل : لأن اليمين هناك عند الحاكم ، والنية فيه للخصم ، قلت : ولم يمنع
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد اليمين لهذا ، بل شفعة الجوار عنده مما يسوغ القول بها ، وفيها أحاديث صحاح لا ترد ، ولهذا اختلف قوله فيها ، فمرة نفاها ، ومرة أثبتها ، ومرة فصل بين أن يشتركا في حقوق الملك كالطريق والماء وغيره ، وبين ألا يشتركا في شيء من ذلك فلا يثبت .
وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ، وبه تجتمع الأحاديث ، وهو اختيار
شيخ الإسلام ، ومذهب فقهاء
البصرة ، ولا يختار غيره ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم حلفوا في الرواية والفتوى وغيرها تحقيقا وتأكيدا للخير لا إثباتا له باليمين ، وقد قال تعالى : {
فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } وقال تعالى : {
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية ، وقال تعالى : {
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } ، وكذلك أقسم بكلامه كقوله تعالى : {
يس والقرآن الحكيم }
[ ص: 130 ] {
ق والقرآن المجيد } {
ص والقرآن ذي الذكر } ، وأما إقسامه بمخلوقاته التي هي آيات دالة عليه فكثير جدا .