[ ص: 178 ] حكم أخذ المفتي أجرة أو هدية ] الفائدة الخامسة والأربعون : في أخذ الأجرة والهدية والرزق على الفتوى ، فيه ثلاث صور مختلفة السبب والحكم .
فأما أخذه الأجرة فلا يجوز له ; لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله ، فلا تجوز المعاوضة عليه ، كما لو قال له : لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة ، أو سئل عن حلال أو حرام فقال للسائل : لا أجيبك عنه إلا بأجرة ، فهذا حرام قطعا ، ويلزمه رد العوض ، ولا يملكه .
وقال بعض المتأخرين : إن أجاب بالخط فله أن يقول للسائل : لا يلزمني أن أكتب لك خطي إلا بأجرة ، وله أخذ الأجرة ، وجعله بمنزلة أجرة الناسخ ; فإنه يأخذ الأجرة على خطه ، ولا على جوابه ، وخطه قدر زائد على جوابه .
والصحيح خلاف ذلك ، وأنه يلزمه الجواب مجانا لله بلفظه وخطه ، ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر .
وأما الهدية ففيها تفصيل ، فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه أو من لا يعرف أنه مفت فلا بأس بقبولها ، والأولى أن يكافئ عليها ، وإن كانت بسبب الفتوى ، فإن كانت سببا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له لم يجز له قبول هديته ، وإن كان لا فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا ، بل يفتيه بما يفتي به الناس ، كره له قبول الهدية ; لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء .
وأما
أخذ الرزق من بيت المال فإن كان محتاجا إليه جاز له ذلك ، وإن كان غنيا عنه ففيه وجهان ، وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم ، فمن ألحقه بعامل الزكاة قال : النفع فيه عام ، فله الأخذ ، ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الأخذ ، وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي ، بل القاضي أولى بالمنع ، والله أعلم .