فصل [
من تناقض القياسيين مراعاة بعض الشروط دون بعضها الآخر ] : وقالت الحنفية والمالكية والشافعية : إذا
شرطت الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها أو دارها أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهو شرط باطل ، فتركوا محض القياس ، بل قياس الأولى ، فإنهم قالوا : لو
شرطت في المهر تأجيلا أو غير نقد البلد أو زيادة على مهر المثل لزم الوفاء بالشرط ، فأين المقصود الذي لها في الشرط الأول إلى المقصود الذي في هذا الشرط ؟ وأين فواته إلى فواته ؟ وكذلك من قال منهم : لو
شرط أن تكون جميلة شابة سوية فبانت عجوزا شمطاء قبيحة المنظر أنه لا فسخ لأحدهما بفوات شرطه ، حتى إذا فات
[ ص: 236 ] درهم واحد من الصداق فلها الفسخ بفواته قبل الدخول ، فإن استوفى المعقود عليه ودخل بها وقضى وطره منها ثم فات الصداق جميعه ولم تظفر منه بحبة واحدة فلا فسخ لها ، وقسم الشرط الذي دخلت عليه على شرط أن لا يؤويها ولا ينفق عليها ولا يطأها أو لا ينفق على أولاده منها ونحو ذلك مما هو من أفسد القياس الذي فرقت الشريعة بين ما هو أحق بالوفاء منه وبين ما لا يجوز الوفاء به ، وجمعتم بين ما فرق القياس والشرع بينهما ، وألحقتم أحدهما بالآخر ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الوفاء بشروط النكاح التي يستحل بها الزوج فرج امرأته أولى من الوفاء بسائر الشروط على الإطلاق ، فجعلتموها أنتم دون سائر الشروط وأحقها بعدم الوفاء ، وجعلتم الوفاء بشرط الواقف المخالف لمقصود الشارع كترك النكاح وكشرط الصلاة في المكان الذي شرط فيه الصلاة وإن كان وحده وإلى جانبه المسجد الأعظم وجماعة المسلمين ، وقد ألغى الشارع هذا الشرط في النذر الذي هو قربة محضة وطاعة فلا تتعين عنده بقعة عينها الناذر للصلاة إلا المساجد الثلاثة ، وقد شرط الناذر في نذره تعينه ، فألغاه الشارع لفضيلة غيره عليه أو مساواته له فكيف يكون شرط الواقف الذي غيره أفضل منه وأحب إلى الله ورسوله لازما يجب الوفاء به ؟ وتعيين الصلاة في مكان معين لم يرغب الشارع فيه ليس بقربة ، وما ليس بقربة لا يجب الوفاء به في النذر ، ولا يصح اشتراطه في الوقف .