[
أقسام الدليل ] وينقسم الدليل إلى ثلاثة أقسام : سمعي وعقلي ووضعي . فالسمعي : هو اللفظي المسموع ، وفي عرف الفقهاء : هو الدليل الشرعي . أعني الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والاستدلال . وأما عرف
المتكلمين ، فإنهم إذا أطلقوا الدليل السمعي ، فلا يريدون به غير الكتاب ، والسنة ، والإجماع قاله
الآمدي " في " الأبكار " . الثاني : العقلي : وهو ما دل على المطلوب بنفسه من غير احتياج إلى وضع ، كدلالة الحدوث على المحدث ، والإحكام على العالم . الثالث : الوضعي : وهو ما دل بقضية استناده ، ومنه العبارات الدالة على المعاني في اللغات . قال : وألحق به المحققون المعجزات الدالة على صدق الأنبياء ، وتبعه
ابن القشيري ، وقال ما دل عقلا لا يتبدل ، وما دل وضعا يجوز أن يتبدل . لكن
الإمام في الإرشاد " اختار أن دلالتها عقلية
[ ص: 55 ] وهو قول
الأستاذ أبي إسحاق ، وسيأتي عن
ابن القطان أيضا .
وقال
الآمدي في " الأبكار " : الذي ذهب إليه
شيخنا nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي والمحققون : أن دلالة المعجزة على صدق الرسول ليست دلالة عقلية ولا سمعية . أما الأول : فلأن ما يدل عقلا يدل بنفسه ، ويرتبط بمدلوله لذاته ، ولا يجوز تقديم غيره ، وقد تقع الخوارق عند تصرم الدنيا مع عدم دلالتها على تصديق مدعي النبوة ، فإنه لا إرسال ، ولا رسول إذ ذاك . وأما الثاني : فلأن الدلالة السمعية متوقفة على صدقه فلو توقف صدق الرسول عليها لكان دورا ، بل دلالتها على صدقه غير خارج عن الدلالات الوضعية النازلة منزلة التصديق ، فكانت نازلة من الله منزلة قوله : صدق .
ثم
العقلي ينقسم إلى ما يقتضي القطع كالأدلة في أصول العقائد ، وإلى ما لا يقتضيه ، وكذلك ينقسم إلى ما يقتضي القطع ، وهو يتضمن العلم ، وإلى ما لا يقتضيه ، كأخبار الآحاد والمقايس السمعية . فكما لا يوصف باقتضاء العلم لا يوصف باقتضاء غلبة الظن . قال : وهذا مما يزل فيه معظم الفقهاء ، ولكن جرت العادة بحصول الظن في أثرها من غير تضمنها .
ويتنوع العقلي إلى استقرائي ، وتمثيلي ، واقتراني ، واستثنائي متصل أو منفصل ، ويتألف المتصل من المتلازمات ، والمنفصل من المتضادات ، ونوعها الأصحاب أربعة : بناء الغائب على الشاهد : وإنتاج المقدمات النتائج ، والسبر والتقسيم ، والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه .
[ ص: 56 ] ونازع
ابن القشيري في الأول . وقال : عندنا لا أصل لبناء الغائب على الشاهد وأن الحكم به باطل ، وإن قام دليل على المطلوب في الغائب فهو المقصود ، ولا أثر لذلك الشاهد ، وإلا فذكر الشاهد لا معنى له ، وليس في المعقولات قياس . قال : وكذا قياس المختلف فيه على المتفق عليه باطل ; لأنه لا قياس في المعقولات ، وستأتي هذه المسألة في كتاب القياس إن شاء الله تعالى .