[
حكم ما رواه أهل البدع ] وأما الذي من أهلها وهم المبتدعة ، فإن كفر ببدعته كالمجسمة إذا قلنا بتكفيرهم ، فإن علمنا من مذهبهم جواز الكذب إما لنصرة رأيهم أو غير ذلك لم تقبل روايتهم قطعا ، كذا قالوه . وقيده بعضهم بما إذا اعتقدوا جوازه مطلقا ، فإن اعتقدوا جوازه في أمر خاص كالكذب فيما يتعلق بنصرة العقيدة ، أو الترغيب في الطاعة ، أو الترهيب عن المعصية ردت روايتهم فيما هو متعلق بذلك الأمر الخاص فقط ، وإن اعتقدوا حرمة الكذب ، فقولان . قال الأكثرون : لا تقبل ، ومنهم القاضيان
nindex.php?page=showalam&ids=12918أبو بكر ،
وعبد الجبار ،
والغزالي ،
والآمدي قياسا على الفاسق ، بل هو أولى ، وقال
أبو الحسين البصري : يقبل ، وهو رأي
الإمام وأتباعه ; لأن اعتقادهم حرمة الكذب يمنعهم من الإقدام عليه ، فيحصل صدقه ، فيجب العمل به وهذا التفصيل في الكافر بالبدعة ذكره في المحصول " . أطلق
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب في الملخص " ،
وابن برهان في ، الأوسط " عدم قبول رواياتهم مطلقا ، وقال : لا خلاف فيه ، وجرى عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وغيره من المحدثين . وأما المبتدع إذا لم يكفر ببدعته ، فإن كان ممن يرى الكذب والتدين
[ ص: 144 ] به لم يقبل بالاتفاق ، وإلا فاختلفوا فيه على أقوال . أحدها : رد روايته مطلقا ; لأنه فاسق ببدعته ، وإن كان متأولا يرد كالفاسق بغير التأويل ، كما لا يقبل الكافر مطلقا ، وبه قال
القاضي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16392والأستاذ أبو منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق في اللمع " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي : ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، واستبعده
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح لأن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة . وقال
ابن دقيق العيد : لعل هذا القول مبني على القول بتكفيرهم ، ورواية الكافر غير مقبولة ، وغاية ما يقال في الفرق : أنه غير عالم بكفره ، وذلك ضم جهل إلى كفر ، فهو أولى بعدم القبول ، وما قاله ممنوع ، فإن التفريع على عدم تكفيره بالبدعة ، وإنما مأخذ الرد عندهم الفسق ، ولم يعذروه بتأويله ، وقالوا : هو فاسق بقوله ، وفاسق لجهله ببدعته ، فتضاعف فسقه .
والثاني : يقبل سواء دعا إلى بدعته أو لا ، إذا كان ممن لا يستحل الكذب ، كما سبق من تصوير المسألة ، وهو قضية مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قال
الحافظ ابن عدي : قلت
; للربيع : ما حمل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على روايته عن
nindex.php?page=showalam&ids=12357إبراهيم بن أبي يحيى مع وصفه إياه بأنه كان قدريا ؟ فقال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول : لأن يخر
إبراهيم من السماء أحب إليه من أن يكذب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب : وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لقوله : هل هو إلا من
الخطابية الرافضة ; لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم قال : ويحكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف القاضي ، وقال
أبو نصر بن القشيري : إلى هذا ميل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقبل شهادة هؤلاء
والخوارج مع استحلالهم الدماء
[ ص: 145 ] والأموال لتوقيهم الكذب واعتقادهم كفر فاعله ، وقال
ابن برهان : إنه الصحيح ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لقوله : أقبل شهادة أهل الأهواء والبدع إلا
الخطابية ، فإنهم يتدينون بالكذب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن : إذا كنا نقبل رواية أهل العدل ، وهم يعتقدون أن من كذب فسق ، فلأن نقبل رواية أهل الأهواء ، وهم يعتقدون أن من كذب كفر بطريق الأولى . قال : وتحقيق ما ذكرناه أن أئمة الحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070كالبخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وغيرهما رووا في كتبهم عن أهل الأهواء حتى قيل : لو حذفت رواياتهم لابيضت الكتب . ا هـ .
وقد اعترض
الشيخ الهندي في النهاية " على كون
الخطابية من هذا القبيل ، بأن المحكي في كتب المقالات ما يوجب تكفيرهم قطعا . قال : فإن صح ذلك عنهم لم يكونوا من قبيل ما نحن فيه ، بل من قبيل الكفرة من أهل القبلة ، فيكون الاستثناء في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي منقطعا . وقال
ابن دقيق العيد : هذا هو المذهب الحق ; لأنا لا نكفر أحدا من أهل القبلة إلا بإنكار متواتر عن صاحب الشرع ، وإذا لم نكفره وانضم إليه التقوى المانعة من الإقدام على ما يعتقد تحريمه فالموجب للقبول موجود ، وهو الإسلام مع العدالة الموجبة لظن الصدق ، والمانع المتخيل لا يعارض ذلك الموجب ، بل قد يقويه كما في
الخوارج الذين يكفرون بالذنب ،
والوعيدية الذين يرون الخلود بالذنب ، وإذا وجد المقتضى وزال المانع ، وجب القبول .
[ ص: 146 ] وأطلق
الماوردي والروياني القول بقبول رواياتهم ، وهو محمول على هذا التفصيل ، وكذلك قال
إلكيا الطبري : الفساق بسبب العقيدة
كالخوارج والروافض وغيرهم من أهل البدع اختلف في قبول روايتهم ، والصحيح الذي عليه الجمهور أن رواياتهم مقبولة ، فإن العقائد التي تحلوا بها لا تهون عليهم افتعال الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأصل الثقة ، وهو في حق المتأول والمحق سواء .
نعم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يقبل
شهادة الكافر على الكافر مع أنه عدل في دينه من حيث إن الشهادة تستدعي رتبة ووقارا ، ولذلك لم يكن العبد من أهلها بخلاف الرواية ، فإنها إثبات الشرع على نفسه وغيره ، فاستدعت مزيد منصب . والثالث : إن كان داعيا إلى بدعته لم يقبل ، وإلا قبل ، وبه جزم
سليم في التقريب " ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب في الملخص " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لقوله : لا تأخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وهذا يحتمل أن يريد أنه إذا لم يدع يقبل ، ويحتمل أنه أراد لا يقبل مطلقا ، ويكون قوله : يدعو لبيان سبب تهمته ، أي لا تأخذ عن مبتدع ، فإنه ممن يدعو إلى هواه ، وهذا هو المعروف من مذهبه . ا هـ . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب : وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ونسبه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ; للأكثرين ، قال : وهو أعدل المذاهب ، وأولاها ، وفي الصحيحين كثير من أحاديث المبتدعة غير الدعاة احتجاجا واستشهادا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16689كعمران بن حطان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15855وداود بن الحصين ، وغيرهما . وقد نقل
أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات " الإجماع على الأمرين ،
[ ص: 147 ] فقال في ترجمة
جعفر بن سليمان الضبعي : فليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف في أن الصدوق التقي إذا كان فيه بدعة ، ولم يكن يدعو إليها ، أن الاحتجاج بأخباره جائز ، فإذا دعا إلى بدعته سقط . الاحتجاج بأخباره . ا هـ . وقال
ابن دقيق العيد : جعل بعض المتأخرين من أهل الحديث هذا المذهب متفقا عليه ، وليس كما قاله . نعم ، في هذا المذهب وجه أنه إذا روى المبتدع الداعية ما يقوي به حجته على خصمه ، وكذلك إذا لم يكن داعية إلا أنه أضعف من الأول . قال : نعم ، الذي أختاره أن الداعية إذا روى ، فإما أن يروي ما ينفرد به عن غيره ، ولا يوجد إلا عنده أو ما يوجد عند غيره ، فإن كان الأول روي عنه ; لأن الرواية عنه هاهنا في مرتبة الضرورة ، وإن كان يوجد عند غيره لم يرو عنه ، لا ; لأن روايته باطلة ، بل لإهانته وعدم تعظيمه . ا هـ ، وهو تفصيل غريب .
وما حكاه عن بعض المتأخرين كأنه يريد به
ابن القطان المحدث ، فإنه قال في كتاب الوهم والإيهام " : الخلاف في غير الداعية ، أما الداعية فهو ساقط عند الجميع ، وليس كما قال . وفعل
أبو علي الغساني من المحدثين ، فقال : إن ضم إلى بدعته افتعاله الحديث ، وتحريف الرواية ; لنصرة مذهبه لم يقبل ، وإلا قبل . وهذا التفصيل لا وقع له ، فإن ذلك متروك ، ولو لم يكن صاحب بدعة .
[ ص: 148 ]
تنبيهات . الأول [
المراد بالداعية إلى البدعة ] الأول : يتبادر أن المراد بالداعية الحامل على بدعته ، لكن قال
nindex.php?page=showalam&ids=11927أبو الوليد الباجي : الخلاف في الداعية بمعنى أنه يظهرها ، ويحقق عليها ، فأما الداعي بمعنى حمل الناس عليها فلم يختلف في ترك حديثه .