تفريع [
هل يكفي في الجرح المجمل ] وإذ ثبت أن بيان السبب في الجرح شرط ، قال أصحابنا ومنهم
الصيرفي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13428وابن فورك nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب : لا يقبل قولهم : فلان ليس بشيء ، ولا فلان ضعيف ، ولا لين ، ماذا بالكذاب ؟ استفسر ، وقيل له : ما تعني ؟ أتعمد الكذب ؟ فإن قال : نعم ، توقف في خبره وإلا فلا ، لأن الكذب لغة يحتمل الغلط ، ووضع الشيء في غير موضعه ، ومنه قوله : كذب
أبو محمد في حديث الوتر . يعني : غلط ، وادعى
النووي في " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " أن معنى قولهم : لا يقبل الجرح المطلق وجوب التوقف عن العمل بحديثه إلى أن يبحث عن السبب .
قلت : وفيه نظر لما سبق ، ويحتمل التفصيل بين من عرفت عدالته فلا أثر للجرح المطلق ، وبين غيره . واستثنى
ابن القطان المحدث من هذا الأصل ما إذا كان الراوي لا يعلم حاله ، ولا وثقه موثق . قال : فيقبل فيه الجرح وإن لم يفسر ما به جرحه ; لأنا قد كنا نترك حديثه بما عدمنا من معرفة ثقته .
قلت : وفي الحقيقة لا يستثنى .
[ ص: 183 ] وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في " التمهيد " عن
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي أن
من ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه وحملهم حديثه ، فليس يقبل فيه تجريح أحد حتى يثبت عليه ذلكبأمر لا يجهل يكون به جرحه ، فأما قولهم : فلان كذاب ، فليس مما يثبت به جرح ، حتى يبين ما قاله . ووافقه على ذلك . وأنكره عليهما
أبو الحسن بن المفوز ، وقال : بل الذي عليه أئمة الحديث قبول تعديل من عدل ، وتعديل وتجريح من جرح ، لمن عرف واشتهر بأمانته ومعرفته بالحديث لا خلاف بينهم فيه .
إذا تعارض الجرح المفسر والتعديل في راو واحد فأقوال . أحدها : يقدم الجرح مطلقا ، وإن كان الذي عدل أكثر ، وهذا ما جزم به
الماوردي ،
والروياني ،
وابن القشيري . وقال : نقل
القاضي فيه الإجماع ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب ،
والباجي عن جمهور العلماء . وقال
الآمدي ،
والرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12795وابن الصلاح : إنه الصحيح ; لأن مع الجارح زيادة علم ، لم يطلع عليها المعدل . قال
ابن دقيق العيد : وهذا إنما يصح مع اعتقاد المذهب الآخر ، وهو أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا ، وبشرط آخر ، وهو أن يكون الجرح بناء على أمر مجزوم به ، أي بكونه جارحا لا بطريق اجتهادي ، كما اصطلح أهل الحديث على الاعتماد في الجرح على اعتبار حديث الراوي مع اعتبار حديث غيره ، والنظر إلى كثرة الموافقة والمخالفة والتفرد والشذوذ . ا هـ .
وقد استثنى أصحابنا من هذا ما إذا جرحه لمعصية ، وشهد الآخر أنه قد تاب منها ، يقدم التعديل ; لأن معه زيادة علم .
[ ص: 184 ] والثاني : عكسه ، وهو تقديم التعديل ; لأن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الأمر جارحا ، والمعدل إذا كان عدلا مثبتا لا يعدل إلا بعد تحصيل الموجب لقبوله جزما . حكاه
الطحطاوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف ، وقضية هذه العلة تخصيص الخلاف بالجرح غير المفسر .
والثالث : يقدم الأكثر من الجارحين أو المعدلين . حكاه في " المحصول " ; لأن كثرتهم تقوي حالهم ، ورده
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب . والرابع : أنهما متعارضان ، فلا يقدم أحدهما إلا بمرجح ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ثم جعل
القاضي في " التقريب " الخلاف فيما إذا كان عدد المعدلين أكثر ، فإن استويا قدم الجرح بالإجماع ، وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب البغدادي في " الكفاية " ،
وأبو الحسين بن القطان في كتابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11927وأبو الوليد الباجي في " الأحكام " ، وليس كما قالوا ، ففيه الخلاف ، وممن حكاه
أبو نصر بن القشيري ، وأنه نصب الخلاف فيما إذا استوى عدد المعدلين والجارحين . قال : فإن كثر عدد المعدلين ، وقل عدد الجارحين ، تقبل العدالة في هذه الصورة أولى .
واختار
القاضي تقديم الجرح ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : قد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان في كتابه " الزاهي " الخلاف عند
[ ص: 185 ] تساويهما في العدد . أما إذا زاد عدد المجرحين فلا وجه لجريان الخلاف وبه صرح
الباجي فقال : لا خلاف في تقديم الجرح ، وقال
الماوردي : لا شك فيه ، وهو أولى بأن يكون إجماعا على نقل
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبي بكر . قال : وصورة المسألة حيث
لم يمكن الجمع بين القولين ، فإن قال أحدهما : هو عدل ، والآخر هو مجروح ، قدم الجرح قطعا ، ولا يحسن فيه إجراء خلاف ، وإن اختلف العدد ; لأن التعديل مبناه على الظاهر بخلاف الجرح . قال
الباجي : فلو نص المجرح على سببه في وقت بعينه ، ونفاه العدد ، تعارضا . قال : وفيه نظر ، وقال
الهندي في " النهاية " : متى كان الجرح مطلقا أو معينا بذكر سببه ، ولم يمكن ضبطه كقوله : رأيته يشرب أو سمعت منه الكذب ، قدم على التعديل ; لأنه زيادة لم يطلع عليها المعدل ، ولا نفاها ، فإن نفاها بطلت عدالته ; لعلمنا بمجازفته وجزمه فيما لا يمكن فيه الجزم ، وإن كان معينا بذكر سبب ينضبط به ، ويمكن أن يعلم كقوله : رأيته قد قتل فلانا ، فإن لم يتعرض المعدل لنفيه بل اقتصر على التعديل مطلقا ، أو مع سببه فكالعدم وإن تعرض لنفيه بأن قال : رأيته حيا ، بعد ذلك فهما يتعارضان ، ويصار إلى الترجيح بنحو كثرة العدد والضبط وزيادة الورع وغيرها .