[ ص: 234 ] المذاهب في الزيادة من الراوي إذا اتحد المجلس ] الحالة الثالثة : أن يتحد المجلس ، وينقل بعضهم الزيادة ، ويسكت بعضهم عنها ، ولا يصرح بنفيها ، وفي المسألة مذاهب . أحدها : وهو قول الجمهور من الفقهاء والمحدثين أنها مقبولة مطلقا ، سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا ، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا ، وسواء أوجب نقصا ثبت بخبر ليس فيه تلك الزيادة أم لا ، وسواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه مرة ناقصا ، ومرة بتلك الزيادة ، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا ، وهي كالحديث التام ، ينفرد به الثقة ، فالزيادة أولى ; لأنها غير مستقلة ، بل تابعة ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي عن رؤية الهلال ، مع انفراده برؤيته ، وقبل خبر
ذي اليدين وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، وإن انفردوا عن جميع الحاضرين .
قال
ابن السمعاني : ولا فرق بين أن يسند الراوي للزيادة والتارك لها ما روياه إلى مجلس واحد أو إلى مجلسين ، أو يطلقا إطلاقا . فتقبل إلا في صورة واحدة ، وهي أن التارك للزيادة لو كانوا جماعة لا يجوز عليهم الغفلة عنها ، وكان المجلس واحدا أن لا يقبل رواية راوي الزيادة ، ونحوه قول
ابن الصباغ في " العدة " : إنما يقبل بشرط أن لا يكون من نقل الزيادة واحد ، ومن رواه ناقصا جماعة ، لا يجوز عليهم الوهم ، فإن كان كذلك سقطت ، هذا إذا روياه عن مجلس واحد . قال : فإن روياه عن مجلسين فإن كانا خبرين عمل بهما ، قال : فإن كان الناقل لها عددا
[ ص: 235 ] كثيرا فهي مقبولة ، وإن كان كل منهما واحدا فالأخذ برواية الضابط منهما ، وإن كانا ضابطين ثقتين كان الأخذ بالزيادة أولى ، وكلام
الإمام في " المحصول " قريب من هذا التفصيل . ونحوه قول
الآمدي : إذا اتحد المجلس ، فإن كان من لم يرو الزيادة قد انتهى إلى حد لا يقضي في العادة بغفلة مثله عن سماعها ، والذي رواها واحد ، فهي مردودة ، وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة ، خلافا لجماعة من المحدثين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه . ا هـ . وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب والقرافي وغيرهما ، وخالفهم آخرون ، فأطلقوا القول بقبول الزيادة مطلقا ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب في " الملخص " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأبي الفرج من أصحابه ، وأصحاب الشافعية ، وأجرى عليه الإطلاق
أبو الحسين بن القطان ،
وإمام الحرمين في " البرهان " ،
والغزالي في " المستصفى " ، وقال : سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ أو المعنى ،
nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق في " اللمع "
وابن برهان . وقال
ابن القشيري بعد حكاية الخلاف والتفصيل : والاختيار قبول الزيادة من الثقة في جميع الأحوال .
واعلم أن
إمام الحرمين وغيره أطلقوا النقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . بقبول الزيادة من غير تعرض لشيء من الشروط . وسيأتي في بحث المرسل من كلام
[ ص: 236 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الزيادة من الثقة ليست مقبولة مطلقا ، وهو أثبت نقل عنه في المسألة . وسنذكر قريبا عن نصه في " الأم " أنها لا تقبل إذا خالف الأحفظ والأكثر . الثاني : لا يقبل مطلقا ، وعزاه
ابن السمعاني لبعض أهل الحديث . ونقل عن معظم الحنفية . ونقل الإمام عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : من تناقض القول الجمع بين قبول
رواية القراءة الشاذة في القرآن ، ورد الزيادة التي ينفرد بها بعض الرواة ، وحق القرآن أن ينقل تواترا بخلاف الأخبار . وما كان أصله التواتر ، وقبل فيه زيادة الواحد ، فلأن يقبل فيما سواه الآحاد أولى ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=13658أبي بكر الأبهري وغيره من أصحابهم . قال : وعلى هذا بنوا الكلام في الزيادة المروية في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62595وإن أكل فلا تأكل } .
والثالث : الوقف ; لأن في كل واحد من الاحتمالات بعدا ، والأصل وإن كان عدم الصدور ، لكن الأصل أيضا صدق الراوي . وإذا تعارضا وجب التوقف . حكاه
الهندي . والرابع : إن كان غيره لا يغفل مثله عن مثلها عادة لم تقبل ، وإلا قبلت ، وهو قول
الآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب . والخامس : إن كان غيره لا يغفل ، أو كانت الدواعي لا تتوفر على
[ ص: 237 ] نقلها ، وإليه يميل كلام
ابن السمعاني كما سبق . والسادس : أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا ، ثم رواه بتلك الزيادة أو رواه بالزيادة ثم رواه ناقصا ، وتقبل من غيره من الثقات . نقله
ابن القشيري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي في " التقريب " عن فرقة من الشافعية ، وذكر
ابن الصباغ في ، العدة " فيما إذا روى الواحد خبرا ثم رواه بعد ذلك بزيادة ، فإن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلس قبلت الزيادة ، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد ، أو تكررت روايته بغير زيادة ، ثم روى الزيادة ، فإن قال : كنت نسيت هذه الزيادة قبل منه ، وإن لم يقل ذلك وجب التوقف في الزيادة . وقال
أبو الحسين في " المعتمد " : إن أسند الروايتين إلى مجلسين قبل ، وهذا إن لم يعلم الحال حمل على التعدد ، وإن علم أنه لم يسندها إلى مجلسين ، وكان قد روى الخبر دفعات كثيرة من غير زيادة ، ورواه مرة واحدة بالزيادة ، فالأغلب أنه سها في إثبات الزيادة ; ولأن سهو الإنسان مرة واحدة أغلب من سهوه مرارا كثيرة ، فإن قال : كنت قد أنسيت هذه الزيادة والآن ذكرتها ، قبلت الزيادة ، وحمل أمره على الأقل النادر ، وإن كان إنما رواها مرة واحدة بروايتها مرة ، فإن كانت الزيادة تغير إعراب الكلام تعارضت الروايتان ، وإن كانت الزيادة لا تغير اللفظ احتمل أن يتعارضا ; لأنه على كل حال قد وهم .
قال : وهذا إذا لم يقارنه استهانة ، فلو
روى الحديث تارة بالزيادة وتارة بحذفها استهانة وقلة تحفظ ، سقطت عدالته ولم يقبل حديثه . السابع : إن كانت الزيادة تغير إعراب الباقي ، كما لو روى راو في أربعين شاة شاة ، وروى الآخر نصف شاة ، لم يقبل ، ويتعارضان ، وهو الحق عند
الإمام الرازي وأتباعه ، وحكاه
الهندي عن الأكثرين . قال :
[ ص: 238 ] لأن كل واحد منهما يروي غير ما رواه الآخر ، فيكون منافيا له معارضا ، فلا يقبل إلا بعد الترجيح . قال : وخالف
أبو عبد الله البصري والمزي ، وفي " المعتمد "
لأبي الحسين : قبل
أبو عبد الله البصري الزيادة سواء أثرت في اللفظ أم لا ، إذا أثرت في المعنى ، وقبلها
القاضي عبد الجبار إذا أثرت في المعنى دون اللفظ ، ولم يقبلها إذا أثرت في إعراب اللفظ .
الثامن : أنها لا تقبل إلا إذا أفادت حكما شرعيا ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب . فلو لم تفد حكما لم تعتبر ، كقولهم : في محرم وقصت به ناقته في أخافيق جرذان . قال : فإن ذكر الموضع لا يتعلق به حكم شرعي ، وهذا حكاه
ابن القشيري ، فقال : وقيل : إنما تقبل إذا اقتضت فائدة جديدة . التاسع : عكسه ، أنها تقبل إذا رجعت إلى لفظ لا يتضمن حكما زائدا كما حكاه
ابن القشيري . العاشر : تقبل لو كانت باللفظ دون المعنى ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر في " التقريب " ويحتمل أنه الذي قبله . الحادي عشر : بشرط أن يكون راويها حافظا ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14231أبي بكر الخطيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14667والصيرفي . قال
الصيرفي : وهو حينئذ بمعنى من نقل تلك الزيادة مستقلا بها ، لا شريك معه في الرواية . ثم قال : والحاصل : أن كل من لو انفرد بحديث يقبل فإن زيادته مقبولة ، وإن خالف الحفاظ . الثاني عشر : إن
تكافأ الرواة في الحفظ والإتقان ، وزاد حافظ عالم بالأخبار زيادة ، قبلت ، وإن كان لا يلحقهم في الحفظ لم تقبل ، وهو قول
[ ص: 239 ] ابن خزيمة في صحيحه ، ويحتمل رجوعه لما قبله ، وإنما اختلفت العبارة . الثالث عشر : إن
كان ثقة ، ولم يشتهر بنقل الزيادات في الوقائع ، وإنما كان ذلك منه على طريق الشذوذ قبلت . كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ( من المسلمين ) في صدقة الفطر ، وإن اشتهر بكثرة الزيادات مع اتحاد المجلس ، وامتناع الامتياز بسماع ، فاختلفوا فيه . فمذهب الأصوليين قبول زيادته ، ومذهب المحدثين ردها للتهمة . قاله
أبو الحسن الإبياري في " شرح البرهان " .