[ ص: 53 ] إطباق الناس من غير نكير هذا الدليل يستعمله الفقهاء في مواضع ، كاستدلال أصحابنا على
طهارة الإنفحة بإطباق الناس على أكل الجبن ، واستدلالهم على جواز
قرض الخبز . واستدلال الحنفية على
جواز الاستصناع لمشاهدة
السلف له من غير إنكار مع ظهوره واستفاضته ، ودخول الحمام من غير شرط أجرة ولا تقدير انتفاع وغير ذلك . وهو يقرب من الإجماع السكوتي من غير تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الفعل ، من غير نكير يقوم مقام التصريح بالتجويز ، لأن النهي عن المنكر لازم للأمة ، بل قال
إمام الحرمين في الكلام على وجوب
ركعتي الطواف : وقد يستدل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على وجوب الشيء بإطباق الناس على العمل ، وما كان مقطوعا به فالعادة لا تقتضي تردد الناس فيه . انتهى .
وينبغي أن يقال : هذا لا يتم إلا إذا اتفق في عصره عليه السلام أو في عصر الصحابة والتابعين . وأما بعد ذلك فتزايد الحال إلى هذا الزمان الذي كم فيه من بدعة ، وقد تواطئوا على عدم الإنكار لها ، فلا ينبغي أن يجعل الإطباق على الفعل مع عدم النكير دليلا على الإباحة على الإطلاق . وقد كان
عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس على
ربيعة ، فتذاكرا يوما ، فقال رجل : ليس العمل على هذا . فقال
عبد الله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحطام فهم الحجة على الناس . قال
ربيعة : أشهد أن هذا الكلام لا يقبله إلا الأنبياء عليهم السلام . وقال
الصيرفي في كتاب الدلائل " : والأعلام المعتادة بين الناس ضربان :
[ ص: 54 ] أحدهما ) : ما يعتادونه في أكلهم وشربهم ولباسهم ونحوه ، فلا كلام فيه ، لأن هذا تابع للمقاصد لا حجر فيه . ( والثاني ) : ما اعتادوه في دياناتهم . وهذا إما أن يكون عادة لقوم دون قوم ، فليس هؤلاء حجة على غيرهم إلا بدليل ، كقوم ألفوا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في بلدة . وإما أن يكون عادة لجميع الناس في جميع الأمصار مستفيضا فهذا لا يجوز خلافه ، لأنه لا يستفيض بينهم فعل شيء من الأشياء إلا وهو مباح أو موجب ، على حسب ما يلزمونه أنفسهم ، فإن كان ذلك موجودا في الأغلب فليس حجة . قال : ومن زعم أن الأحكام وقعت على العادات فغلط ، بل هي مبتدأة مستأنفة . .