( الحالة الثانية ) : أن يكون في موضعين ، بأن
ينص في موضع على إباحة شيء ، وفي آخر على تحريمه - فإما أن يعلم المتأخر منهما فهو مذهبه ويكون الأول مرجوعا عنه ، ويجعل الأول كالمنسوخ فلا يكون الأول قولا له ، قاله
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق وابن السمعاني وذهب بعض الأصحاب إلى أنه لا بد أن ينص على الرجوع ، فلو لم ينص في الجديد الرجوع عن القديم لم يكن رجوعا حكاه الشيخ وكذا
الرافعي في باب صفة الأئمة عن
الصيدلاني أن أصحابنا اختلفوا في
نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا خالف الآخر الأول ، هل يكون الآخر رجوعا عن الأول أم لا ؟ على وجهين : ( أحدهما ) : أنه لا يكون رجوعا ، لأنه قد ينص في موضع واحد على قولين ، فيجوز أن يذكرهما متعاقبين و ( الثاني ) : يكون رجوعا ولم يرجح
الرافعي شيئا والحاصل أنه لو صرح بالرجوع عن الأول فليس الأول مذهبا به قطعا ، وإن لم يصرح فوجهان والراجح أنه رجوع إلا في مسائل مستثناة عند الأصحاب ، لقيام دليل على القول به ، قال
سليم : ويكون إضافة القديم إليه على معنى أنه قاله في وقت ، لا على وجه بينه وبين القول الآخر .
[ ص: 138 ] كما يقال مثله في إضافة الروايتين إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وغيرهما
قلت : وقد صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : لا أحل لأحد أن يروي عني الكتاب القديم وهذا تصريح بالرجوع عما فيه ، فلا يبقى للتفصيل السابق وجه نعم ، هذا يشكل على أصحابنا في مسائل عملوا بها على القديم حيث لم يجدوا في الجديد ما يخالفها - وإما أن يجهل الحال ولا يعلم التاريخ ، فإن بين اختياره من القولين فهو مذهبه ، وإن لم يبينه فالوقف قال
ابن دقيق العيد : والوقف يحتمل أمرين : ( أحدهما ) : أن يريد بذلك أن الحكم الوقف عن الحكم بأن أحد القولين مذهبه و ( الثاني ) : أن يريد بذلك أن الحكم بأن المجتهد واقف غير حاكم بأحد القولين وهذا الثاني إنما يقوى إذا قالهما المجتهد في وقت واحد ، وليس ذلك صورة المسألة وحينئذ فيحكى عنه قولان من غير الحكم على أحدهما بالترجيح وقد وقع الحالان
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي - رضي الله عنه - ، وهو دليل على علو شأنه في العلم والدين : أما العلم فلأنه كلما زاد المجتهد علما وتدقيقا كان نظره أتم ، واطلاعه على الأدلة أعم .
وأما الدين ، فلم يكن ممن إذا ظهر له وجه الرجحان أقام على مقالته الأولى ، بل صرح على بطلانها وعلم بذلك أن تشنيع الخصم باطل وقد صنف أصحابنا في نصرة القولين ، منهم
ابن القاص والغزالي وإلكيا والروياني ، وتكلم عليه الأصحاب في كتبهم الأصولية والفروعية وقد سبق بذلك
السلف ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نص في الشورى على ستة وحصر الخلافة فيهم ، تنبيها على حصر الاستحقاق ، ولم يعترض أحد عليه
[ ص: 139 ] واعلم أنه في هذه الحالة
ترجح أحد القولين على الآخر بأمور : ( منها ) : أن تكون أصول مذهبه موافقة دون الآخر فيكون هو المذهب ، قاله
الماوردي و ( منها ) : أن يكرر أحدهما أو يفرع عليه فهل يكون رجوعا عن الآخر ؟ وجهان ، حكاهما
الماوردي ، ونسب
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج الرجوع في حالة التفريع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني قال : وعامة أصحابنا أن ذلك ليس برجوع ، وجزم
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب أنه رجوع في التفريع ، وحكى خلاف
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في التكرير وقال : خالفه
nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي فقال : هذا لا يدل على اختياره ، لأنه يحتمل أن يكون ذكره اكتفاء بما ذكره قال
القاضي : والذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني هو الصحيح وكذا قال
ابن السمعاني .
و ( منها ) : ما لو كان أحدهما يوافق مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد : ما يخالفه مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أرجح ، وعكس
القفال ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح والنووي والأصح : الترجيح بالنظر ، فإن لم يظهر ترجيح فالوقف و ( منها ) : أن
ينص على أحدهما في موضع آخر ، فهل يكون ذلك اختيارا منه لذلك القول ؟ فيه وجهان ، حكاهما
الرافعي قبل الديات ، وحكى
ابن السمعاني عن
القاضي والماوردي أنه قسم القولين في هذه الحالة إلى أربعة عشر قسما : أحدها : أن يقيد جوابه في موضع ويطلقه في آخر كقوله في أقل الحيض : يوم وليلة ، وفي موضع آخر : يريد مع ليلته فحمل المطلق على المقيد لكن لا يقال : له قولان وإنما هو واحد ثانيها : أن تختلف ألفاظه مع اتفاق معانيها من وجه واختلافها من وجه فغلب بعض أصحابنا حكم الاختلاف ولم يغلب حكم الاتفاق ،
[ ص: 140 ] فخرجهما على قولين كقوله في المظاهر : أحب أن يمتنع عن القبلة وقال في القديم : رأيت ذلك فيحتمل حمله على الإيجاب أو الاستحباب ، فحملها على ما صرح به من الاستحباب أولى ثالثها :
أن يختلف قوله ، لاختلاف حاليه كصداق السر ، فإنه قال في موضع باعتباره ، وفي موضع باعتبار العلانية وليس ذلك باختلاف قولين ، وإنما هو لاختلاف حالين ، فإن اقترن العقد بصداق السر فهو المستحق ، وإلا فعكسه رابعها : لاختلاف الرواية ، كتردده في نقض الملموس لأجل " لمستم " أو " لامستم " وكاختلاف الرواية في صلاة العشاء نصف الليل أو ثلثه خامسها : لأنه عمل في أحدهما بظاهر القرآن ثم بلغته سنة نقلته عن الأول ، كصيام المتمتع أيام التشريق ، لقوله تعالى : {
فصيام ثلاثة أيام في الحج } ثم جاء النهي عن صيامها فأوجب صيامها بعد إحرامه وقيل : يوم
عرفة اتباعا للسنة ومثل هذا قال في الصلاة الوسطى سادسها : لأنه عمل في أحدهما بالقياس ثم بلغته سنة لم تثبت عنده فجعل مذهبه من بعد موقوفا على ثبوت السنة ، كالصيام عن الميت والغسل من غسله .
سابعها : أن يقصد بذكرهما إبطال ما عداهما ، فيكون الاجتهاد مقصودا عليهما ولا يعدوهما ثامنها : أن يقصد بذكرهما إبطال ما يتوسطهما ، ويكون مذهبه منهما ما حكم به ، وفرع عليه مثل قوله في وضع الجوائح ، وقد قدرها
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بالثلث ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ليس إلا واحد من قولين : إما أن يوضع جميعها ، أو لا يوضع شيء منها تاسعها : أن
يذكر قولين مختلفين في مسألتين متفقتين فخرجهما أصحابه على قولين [ ص: 141 ] وهذا على الإطلاق خطأ ، لأنه إن كان بينهما فرق لم يسع التخريج ، وإن لم يكن بينهما فرق لم يخل قولاه إما أن يكونا في وقت أو وقتين ، فإن كانا في وقت ، كما لو قال في مسألة بقول ثم قال بعده فيها بقول آخر ، فيكون على ما سنذكره وإن قالهما في وقت فيكون على ما نذكره في قوله في حالة واحدة عاشرها : لأنه
أداه اجتهاده إلى أحدهما فقال به ثم أداه اجتهاده إلى الآخر فعدل إليه ، فمذهبه الثاني ، ولا يرسل القولين إلا بعد التقييد بالجديد والقديم .
حادي عشرها : أن يكون
قال في مسألة بقول في موضع وقال فيها بقول في موضع آخر ، فيخرجها أصحابه على قولين وهذا وإن كان النقل صحيحا فهو في إضافتهما إليه على التساوي غلط ، وينظر إن تقدم أحدهما فالعمل للمتأخر ، وإن جهل توقف إلا أن يقترن بأحدهما من أصول مذهبه ما يوافقه ، فيكون هو المذهب فإن
تكرر ذكر أحد القولين أو فرع عليه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وطائفة من الأصحاب : إن المتكرر وذا التفريع مذهبه دون الآخر ثاني عشرها : أن يذكرهما حكاية عن مذهب غيره ، فلا يجوز نسبتهما إليه ومثله
ابن كج بقوله في الجد مع الإخوة في الولاء ، قال طائفة بكذا ، وقالت طائقة بكذا ثم قطع بأحد الأقوال ، فإن أشار إليهما بالإنكار كان الحق عنده في غيرهما ، أو بالجواز جاز أن يكون الحق عنده فيهما وفي غيرهما أو بالاختيار فيهما ثالث عشرها : أن يذكرهما معتقدا لأحدهما وزاجرا بالآخر ، كما فعل في قضاء القاضي بعلمه ، وفي تضمين الأجير المشترك وعبر عنه
الشيخ نصر فقال : أن يذكر أحدهما على طريق المصلحة ومذهبه الأخير رابع عشرها : أن يقولهما في موضع ، فإن نبه على اختيار أحدهما
[ ص: 142 ] فهو مذهبه وزاد
الغزالي أن يذكرهما على سبيل التخيير بينهما وأن الكل جائز ، وأن يذكرهما على سبيل التخيير بينهما على البدل لا الجمع وقال : وهذا الوجه ذكره
القاضي وأنكره جميع الأصحاب ، وليس عندي بمنكر ، بل متجه
قلت : ذكره
ابن كج كما سبق مسألة إذا
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في موضع بقول ثم قال ولو قال قائل كذا وكذا كان مذهبا لم يجز أن يجعل ذلك قولا له على الأصح عند
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبي إسحاق وابن السمعاني ، لأنه إخبار عن احتمال في المسألة ووجه من وجوه الاجتهاد