مسألة [ المندوب مأمور به ]
المندوب مأمور به حقيقة في قول
القاضي ،
والغزالي ،
وابن الصباغ ، ونقله عن
أبي بكر الدقاق وكثير من الأصحاب . وقال
سليم في " التقريب " : إنه قول أكثر أصحابنا ، وصور المسألة بما إذا ورد لفظ الأمر ودل الدليل على أن المراد به الندب ، فإن ذلك لا يجعله مجازا ; لأنه حمل على بعض ما يتناوله ، وإخراج البعض فكان حقيقة كلفظ العموم إذا خص في بعض ما يتناوله ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم وغيره ، ونقله
ابن القشيري وغيره عن
المعتزلة ، ولهذا قسموا الأمر
[ ص: 381 ] إلى واجب وندب ، ومورد التقسيم مشترك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي nindex.php?page=showalam&ids=14330وأبو بكر الرازي : ليس مأمورا به حقيقة بل مجازا ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد ،
وأبو إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=14561وأبو بكر الشاشي ،
وإلكيا الهراسي ، واستحسنه
ابن السمعاني ، ونقله
ابن برهان في " الأوسط " عن معظم الأصحاب ، ونقله
المازري عن الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري ، وقال
ابن العربي : إنه الصحيح .
وقال
الرازي في " المحصول " : إنه المختار ، والصحيح : الأول ، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في " شرح الكفاية " : الصحيح من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن المندوب مأمور به ، وقد نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتبه ، ومن أصحابنا من قال : ليس مأمورا به ، وهو خلاف نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن ثبت هذا كان في المسألة قولان . قال
ابن الصباغ : وقولنا : إن ظاهر الأمر للوجوب يدل على أنه ليس مأمورا به ، وقال
الصفي الهندي : والصواب : أن الأمر إن كان حقيقة في الوجوب فقط فالمندوب ليس مأمورا به ، وإلا فمأمور به ، قال : والعجب من قول
الغزالي ، فإنه من جملة الواقفية في مقتضى الأمر ، فكيف اختار أن المندوب مأمور به ، وكان من حقه التوقف فيه ، فإن قيل : كيف يصح القول بأنه مأمور به مع القول بأن صيغة " افعل " حقيقة في الوجوب ؟ وهذا السؤال يخص
الآمدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب فإنهما زعماه كذلك .
[ ص: 382 ]
قلنا : الكلام هنا في الأمر هو صيغة " أ م ر " لا في صيغة " افعل " والأمر مقول على الواجب والمندوب بالحقيقة ، و " افعل " يختص بالوجوب . ومنهم من قال : الأمر المطلق لا يكون إلا إيجابا ، وأما المندوب فهو مأمور به مقيدا لا مطلقا ، فيدخل في مطلق الأمر لا في المطلق ، وأما كونه حقيقة أو مجازا فهو بحث آخر ، وقد أجاب عنه
أبو محمد البغدادي من الحنابلة بأنه مشكك كالوجود والبياض ، وأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي منهم بأن الندب بعض الوجوب فهو كدلالة العلم على بعضه ، وهو ليس بمجاز ، وإنما المجاز دلالته على غيره . قيل : والمندوب ، وإن قلنا : إنه مأمور به إلا أن إطلاقه على الواجب أولى أو هو الظاهر من الإطلاق ، وذلك بحسب الاستعمال الشرعي .
ثم قيل : الخلاف لفظي ، إذ المندوب مطلوب بالاتفاق كما قاله
إمام الحرمين وابن القشيري ، فعلى هذا مطلوب هذه المسألة
هل اقتضاء الشرع للمندوب أمر حقيقة أم لا ؟ والصحيح : أنه معنوي ، وله فوائد : أحدها : قال
المازري ،
والإبياري : إنما جعل
الإمام الخلاف لفظيا ; لتعلقه ببحث اللغة ، وإلا ففائدتها في الأصول أنه إذا قال الراوي : أمرنا ، أو أمرنا
[ ص: 383 ] النبي صلى الله عليه وسلم بكذا فإن قلنا : لفظ الأمر يختص بالوجوب كان اللفظ ظاهرا في ذلك حتى يقوم دليل على خلافه ، وإن قلنا : إنه يتردد بينهما لزم أن يكون مجملا وهذه المسألة خولف فيها من وجهين : أحدهما : البحث العقلي هل وجد في الندب حقيقة الأمر ؟ والثاني : هل يسمى الندب أمرا ؟ وهذا بحث لغوي ، وقد نوزع في الأمر الأول ، وكذا جعل
ابن برهان من فوائد الخلاف ما لو قال الصحابي : أمرنا أو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهانا فعندنا يجب قبوله ، وقال
الظاهرية : لا يقبل حتى يعقل لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن المندوب عندهم ليس بمأمور به ، وعندنا مأمور به .
الثانية : أنه إذا ورد لفظ الأمر ودل دليل على أنه لم يرد به الوجوب فمن قال : بأنه حقيقة حمله على الندب ، ولم يحتج في ذلك إلى دليل ; لأن اللفظ عنده حقيقتين إحداهما بالإطلاق ، والأخرى بالتقييد ، وكما حمل عند الإطلاق على إحداهما حمل عند التقييد على الأخرى ، ومن قال : إنه مجاز لم يحمله عليه إلا بدليل ; لأن حمل اللفظ على المجاز لا يجوز إلا بدلالة ذكره
سليم في " التقريب " . الثالثة : لحمل لفظ الأمر عند الإطلاق على الوجوب أو الندب وجهان : وقال في " المحصول " : منشأ الخلاف هاهنا : أن الأمر حقيقة في ماذا ؟ فإن كان حقيقة في الترجيح المطلق من غير إشعار بجواز المنع من الترك ، ولا بالمنع منه فالمندوب مأمور به ، وإن كان حقيقة في الترجيح المانع من النقيض فلا يكون مأمورا به .
[ ص: 384 ]
وحاصله : أن
الأمر إن كان حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب كان مأمورا به ، وإن كان حقيقة في الوجوب فلا . واحتج بعضهم على أنه غير مأمور به بقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33717لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك } ، وفيه نظر ; لأن المراد لأمرتهم أمر إيجاب لا أمر ندب بدليل رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في مسنده ( لفرضت عليهم ) .