للأسباب أحكام تضاف إليها
صار جمهور الحنفية إلى أن للأحكام أسبابا تضاف إليها ، والموجب في الحقيقة والشارع لها هو الله تعالى دون الأسباب ، إذ الإيجاب إلى الشارع دون غيره ونقلوا عن جمهور
الأشعرية التفصيل بين العبادات وغيرها ، فالعبادات لا يضاف وجوبها إلا إلى الله وخطابه ، لأنها وجبت لله على الخلوص فيضاف إلى إيجابه ، والعقوبات وحقوق العباد أسباب يضاف وجوبها إليها ، لأنها حاصلة بكسب العبد ، وعلى هذا جوزوا إضافة العبادات المالية إلى الأسباب أيضا .
[ ص: 9 ]
وفي المسألة قول ثالث : وهو إنكار الأسباب أصلا .
وقالوا : الحكم في المنصوص عليه ثابت بظاهر النص وفي غيره بالوصف المجعول علة ، ويكون ذلك أمارة لثبوت حكم شرعي بإيجابه تعالى .
قالوا : لأن الموجب للأحكام والشارع لها هو الله تعالى ، وفي إضافة الإيجاب إلى غيره ، وهو الأسباب قطعه عنه ، وذلك لا يجوز ، لكنه يقال : حصل ببعض الأوصاف أمارة على حكم الفرع ، فيقال لها : أسباب أو علل موجبة مجازا ، لظهور الأحكام عندها .
قيل : والتحقيق : أن الخلاف لفظي للإجماع على أن الموجب في الحقيقة هو الله تعالى لا غير ، وعلى أن هذه الأسباب معرفات لحكم الله لا موجبة بذاتها ، فلم يبق الخلاف إلا في اللفظ .
قلت : اتفق
الأشعرية على أنه ليس السبب موجبا للحكم لذاته أو لصفة ذاتية بل المراد منه إما المعرف وعليه الأكثرون ، وإما الموجب لا لذاته ولا لصفة ذاتية ولكن بجعل الشرع إياه موجبا وهو اختيار
الغزالي ، وصارت
المعتزلة إلى القول بالتأثير .
وينبني الخلاف على أنه يعقل تأثير من غير أن يكون المؤثر مؤثرا بذاته ، أو بصفة قائمة به ، أو لا يعقل ذلك ؟ وعليه يبنى كون العبد موجدا لفعل نفسه بإقدار الله تعالى أو خلقه له ما يقتضي تأثيره في الفعل من غير أن يكون العبد مؤثرا بذاته أو بصفة ذاتية ، فأصحابنا ينكرون ذلك ، ويقولون : الصادر عنه فعل الله ،
والمعتزلة لا ينكرونه .