[ الشرط ] الخامس : الفهم
والمعنى فيه كما قال صاحب القواعد " : إن الإتيان بالفعل على سبيل القصد والامتثال يتوقف على العلم به ، وهو ضروري فيمتنع تكليف الغافل كالنائم والناسي لمضادة هذه الأمور الفهم ، فينتفي شرط صحة التكليف ، وهذا بناء على امتناع
التكليف بالمحال ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } .
وأما إيجاب العبادة على النائم والغافل فلا يدل على الإيجاب حالة النوم والغفلة ، لأن الإيجاب بأمر جديد ، فإن قيل : فالنائم يضمن ما يتلفه في نومه ؟ قلنا : الخطاب إنما يتعلق به عند استيقاظه ، وهو منتف عنه حالة النوم ، ولهذا قالوا : لو أتلف الصبي شيئا ضمنه مع أنه ليس بمكلف .
وقال
القفال في الأسرار " : النهي لا يلاقي الساهي ، إذ لا يمكنه
[ ص: 65 ] التحرز منه ، وإنما لزمه بسجود السهو وكفارة الخطأ لكون الفعل محرما في نفسه من حيث إنه محظور عقده إلا أنه في نفسه غير منهي عنه في هذه الحالة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : ما قاله الأصوليون من أن الساهي لا يدخل تحت الخطاب لا ينافيه تحنيث الفقهاء له في اليمين على أحد القولين ، فإن تحنيثه ليس من قبيل التكليف بل من خطاب الوضع ، وهذا يثبت في حق المكلف وغيره كالصبي .
وقال صاحب الذخائر " : من زال عقله بالنوم وطبق الوقت ، فهو غير مخاطب بتلك الصلاة .
وصار بعض الفقهاء إلى تكليف النائم في بعض الأحكام ، فإن عنوا به ضمان المتلفات ونحوه فالمجنون غير مخاطب إجماعا ، ويجب عليه ذلك ، ثم قال : فإن قيل : لم أوجبتم القضاء عليه ؟ قلنا : للأمر الجديد قال : والحكم في الساهي والجاهل كالنائم . قال
ابن الرفعة : وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبي إسحاق ينازع فيه .
[ ص: 66 ]
وقال
ابن برهان في الأوسط " :
النائم والمغمى عليه والحائض والنفساء والمريض والمسافر هل يخاطبون أم لا ؟ ذهب كافة الفقهاء من أصحابنا والحنفية إلى أنهم مخاطبون ، ونقل عن المتكلمين من أصحابنا أنهم لا يخاطبون .
قال : والمراد بالخطاب عند الفقهاء ثبوت الفعل في الذمة ولما لم يتصور
المتكلمون هذا منعوه . ا هـ .
قال بعضهم : ونسيان الأحكام بسبب قوة الشهوات لا يسقط التكليف ، كمن رأى امرأة جميلة ، وهو يعلم تحريم النظر إليها فنظر إليها غافلا عن تحريم النظر . وكذا القول في الغيبة والنميمة والكبر والفخر وغيره من أمراض القلوب .
وقال
الصيرفي : الخطأ والنسيان لا يقع الأمر فيه ولا النهي عنه ، لامتناع الأمر بما لا يهيأ قصد ، لأنه لو قصد تركه لم يكن ناسيا له ، والمرتفع إنما هو الإثم ، لقوله تعالى : {
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقال صلى الله عليه وسلم ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ والنسيان } وكل ما أخطأت بينك وبين ربك فغير مؤاخذ به ، وأما الخطأ المتعلق بالعباد فيضمنه ، ولهذا يستوي فيه البالغ العاقل وغيره .