[ ص: 255 ] مسألة [
ثبوت اللغة بالقياس ]
لا خلاف في
ثبوت اللغة بالنقل والتوقيف ، وهل تثبت بالقياس ؟ فيه قولان للأصوليين ، وهما وجهان لأصحابنا كما قاله
الشيخ في اللمع "
والماوردي في الحاوي " ،
والروياني في البحر " ، فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي nindex.php?page=showalam&ids=11939والقاضي أبو بكر وتلميذه
ابن حاتم من أصحابنا في كتابه اللامع " ،
وأبو الحسين بن القطان وإمام الحرمين والغزالي وابن القشيري وإلكيا الطبري إلى المنع ، لأن الأسماء مأخوذة من اللغة دون الشرع ، ونقله عن معظم المحققين ، ونقله في المحصول " عن معظم أصحابنا وعن جمهور الحنفية ، ونقله الأستاذ
أبو منصور عن الحنفية وبعض أصحابنا ، ونقله
سليم الرازي في التقريب " عن
العراقيين وأكثر
المتكلمين ، واختاره
ابن خويز منداد من المالكية ،
والآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب إلا أنهما وهما في النقل عن
القاضي فنقلا عنه الجواز ، والذي صرح به في كتاب التقريب " إنما هو المنع ، وكذا نقله عنه
المازري والغزالي وغيرهما ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني nindex.php?page=showalam&ids=13247وابن سيده في كتاب القوافي " عن النحويين .
قال : لأن
العرب قد فرغت من تسمية الأشياء فليس لنا أن نبتدع
[ ص: 256 ] أسماء ، كما أنه ليس لنا أن نطلق الاشتقاق على جميع الأشياء ، لئلا يقع اللبس في اللغة الموضوعة للبيان . ألا ترى أنهم سموا الزجاجة قارورة لاستقرار الشيء فيها ، فليس لنا أن نسمي الجب والبحر قارورة لاستقرار الماء فيهما . والأكثرون من أصحابنا كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب الطبري وابن برهان وابن السمعاني على الجواز .
قلت : منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة وابن سريج والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق ونقله الأستاذ
أبو منصور البغدادي في كتاب التحصيل عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنه قال في الشفعة : إن
الشريك جار ، وقاسه على تسمية
العرب امرأة الرجل جاره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : إنه الظاهر من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إذ قال : الشريك جار في مسألة الشفعة يقال : امرأتك أقرب إليك أم جارك ؟ ونقله
سليم الرازي عن
البصريين من النحويين ، وقال في المحصول " : نقل
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في الخصائص " أنه قول أكثر علماء العربية
كالمازني nindex.php?page=showalam&ids=12095وأبي علي الفارسي ، واختاره
الإمام الرازي .
قال : وما اصطلح عليه العروضيون من أسماء البحور وغيره فإنه على التشبيه والنقل لما وضعته
العرب في أولية موضوع اللغة .
وقال
ابن فارس في فقه العربية " أجمع أهل اللغة إلا من شذ منهم أن في لغة
العرب قياسا وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه .
وقال
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في شرح كتاب الترتيب " : تكلمت يوما مع
أبي الحسين بن القطان في هذه المسألة ونصرت القول بجواز
[ ص: 257 ] أخذ الأسامي قياسا ، فقال من يقول بهذا يلزمه ما يلزم
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه ، قال : وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه رجلا كبيرا في النحو واللغة غير أنه كان يتهم في دينه فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه : يجوز
أخذ الأسامي قياسا إذا كان مما يقاس عليه ، فمما أخذ واشتق اسمه من معنى فيه مثل القارورة تسمى قارورة ، لاستقرار الماء فيها ، فلكل ما في معناها يكون قارورة .
قيل : وأيش يقول في الجب يستقر الماء فيه ؟ هل يجوز أن يسمى قارورة ؟ قال : نعم .
قيل : فما تقول في البحر والحوض ؟ فالتزم ذلك ، وركب الباب كله . فاستبشعوا ذلك منه ، وشنعوا عليه . فقلت
nindex.php?page=showalam&ids=12915لأبي الحسين : أيش إذا أخطأ واحد في القياس ؟ بل كان من سبيله أن يحترز فيه بنوع من الاحتراز بأن يقول : ما يستقر الماء فيه ويخف على اليد ونحوه وحكى
أبو الحسين بن القطان : قولا ثالثا أنه جائز إلا أنه لم يقع ، وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : القائلون بالجواز اختلفوا في الوقوع على وجهين . وقال
ابن السمعاني في القواطع " : الأولى أن يقال بجواز إثبات الأسامي شرعا ، ولا يجوز إثباتها لغة ، وهو الذي اختاره
ابن سريج ، ويخرج مما سيأتي في علامات الحقيقة مذهب آخر ، وهو الفرق بين الحقيقة والمجاز ، فيجوز القياس في حقيقة اللغة ، ويمتنع فيما ثبت كونه مجازا احتج المانع بأن القياس : إلحاق مسكوت عنه بمنطوق به ، وذلك لا يستقيم في اللغة ، لأن الفرع لم يتكلم به
العرب فلم يكن من لغتها ، وإن أريد إلحاقه بما نطقت به ، فهو وضع من جهته لا من جهتهم ، فلا يكون من لغتهم .
واحتج المجوز بالإجماع على جواز القياس في الاشتقاق والنحو ، وأجيب بأن القياس النحوي تصرف في أحوال الكلم فليس وضعا مستأنفا بخلاف وضع ذوات الكلم ، والأقيسة النحوية ليس فيها شيء مسكوت عنه ،
[ ص: 258 ] بل إما منطوق بعينه أو بنظيره ، ومن مهمات هذا الأصل عند القائل به إلحاق النبيذ بالخمر في الاسم حتى يحكم بتحريم قليله وكثيره . ونحن وإن لم نقل بالقياس اللغوي ، فنحن نحكم بتحريم
قليل النبيذ تمسكا بأصل الاسم فإن
العرب تسميه خمرا ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : كل مسكر خمر ، ولما نزل تحريم الخمر فهمت
العرب منها تحريم النبيذ وغيره ، فإن أقواما أراقوا ما كان عندهم من النبيذ من غير توقف ولا استفسار ، فدل على أنه من لغتهم واصطلاحهم . ثم محل الخلاف في الأسماء المشتقة المتعلقة بالمعاني الدائرة مع الأسماء الموجودة فيها وجودا وعدما كالخمر اسم للمسكر المعتصر من العنب ، ليصح الإلحاق عند وجود المعنى الذي من أجله وضع اسم المنصوص عليه . أما الأعلام كزيد وعمرو فلا يجري فيها وفاقا .
قاله
أبو الحسين بن القطان ،
والأستاذ أبو إسحاق والقاضي عبد الوهاب في الملخص "
والمازري .
قال : والمعنى فيه كونها غير معللة فهي كالمنصوص لا تعلل .
قال : وهذا لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في الأسماء المشتقة الصادرة في معان معقولة كالخمر والزنى ، وذكر
إمام الحرمين أن الخلاف في الأسماء المشتقة دون الجوامد وأسماء الأنواع والأجناس ، ونازعه المقترح بأن المشتقة قد نقل عنها في
العرب ثلاثة أقسام : قسم طردوا فيه الاشتقاق ، وقسم : منعوه فيه ، وقسم : لم يعلم هل طردوه أو منعوه .
قال : وهذا موضع الخلاف : أما الأولان فلا يتصور فيهما نزاع ، لأنا إذا علمنا الاشتقاق كان هذا مأخوذا من اللفظ لا من طريق القياس ، وإن علمنا المنع من طرد الاشتقاق امتنع القياس لئلا يلتحق بلغتهم ما ليس فيها فتعين أن يكون محل الخلاف في القسم الثالث ، ووجه المنع أنا إذا شككنا في أنهم أجازوا الاطراد أو منعوه فتعين أحد القسمين لا سبيل إليه إلا السمع ، ولم ينقل لنا عن
العرب منع .
[ ص: 259 ]
وقال
ابن دقيق العيد : ليس من محل الخلاف ما علم أن أهل اللغة وضعوه لمعنى يشمل الجزيئات ، فإنه لا خلاف في أن إطلاقه على الجزئيات ليس بقياس ، ولا يجري أيضا فيما ثبت بالاستقراء إرادة إلى المعنى الكلي ، وإن لم يعلم نصهم أن الموضوع هو المعنى الكلي . مثال الأول قولنا : رجل ، والثاني قولنا : الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ، بل محل الخلاف فيما إذا أطلقوا اسما مشتملا على وصف واعتقدنا أن التسمية لذلك الوصف فأردنا تعدية الاسم إلى محل آخر ، كما إذا اعتقدنا أن إطلاق اسم الخمر باعتبار التخمير ، فعديناه إلى النبيذ .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : إن الخلاف لا يجري فيما ثبت بالاستقراء كرفع الفاعل ، لكن
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبا الطيب قال : ما طريق اللغة من اسم أو إعراب هل يثبت بالقياس ؟ اختلف أصحابنا فيه ، فذهب أكثرهم إلى ثبوته ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يثبت ، وبه قال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وكثير من
المتكلمين . ا هـ .
وجعل في الإرشاد " محل الخلاف ما
إذا أريد إلحاق الأسماء اللغوية بقياس لغوي أو الأسماء الشرعية بقياس شرعي . قال : فإن أريد إلحاقه به بقياس شرعي لم يجز قطعا ، لأن الأسماء اللغوية سابقة على الشرع ، فلم يصح إثباتها بعلل شرعية .
حكاه بعض شراح اللمع " .
وقال
ابن الصباغ في " العدة " : يمتنع إثبات الاسم اللغوي بقياس شرعي ، مثل أن يثبت
فيمن وطئ الغلام أنه يسمى زنى ، لأنه وطئ في فرج ، لأن الأسماء اللغوية سابقة للشرع ، فلا يثبت به ، وإنما الاسم الشرعي يجوز إثباته بقياس شرعي مثل تسمية هذه الأفعال الشرعية صلاة .
وقال
الغزالي في المنخول " تحرير النزاع : أن صيغ التصاريف على
[ ص: 260 ] القياس ثابت في كل مصدر نقل بالاتفاق ، إذ هو في حكم المنقول ، وتبديل العبارات ممتنع بالاتفاق كتسمية الفرس دارا ، والدار فرسا . ومحل النزاع في القياس على عبارة تشير إلى المعنى ، وهو حائد عن نهج القياس كقولهم للخمر : خمر لأنه يخامر العقل ، فهل يقاس عليه سائر المسكرات ؟ جوزه
الأستاذ ، والمختار : منعه ، وهو مذهب
القاضي . ا هـ .
وقال
الصيرفي : القياس لا يكون إلا على علة ، والأسماء لا قياس لها ، وإنما العلة كالحد للشيء والعلم عليه . والحاصل : أن صورة المسألة في كل محل يصلح الجري فيه على مقتضى الاشتقاق ، ولم يظهر من أهل اللغة فيه قصد القصر أو التعدية كتسمية عصير العنب خمرا من المخامرة أو التخمير .
وقال صاحب الكبريت الأحمر " ، أجمعوا على أن إثبات الأسماء اللغوية بالقياس اللغوي جائز إذا كان الاسم اسم معنى ، وكان القياس مأذونا فيه من أهل اللغة كالاشتقاق ، أما
هل يجوز إثبات الأسماء بالقياس الشرعي أو لا ؟ والجمهور على أنه لا يجوز ، وذهب
ابن سريج وغيره إلى الجواز فأثبتوا لنبيذ التمر اسم الخمر بالقياس الشرعي ، ثم أوجبوا الحد بشربه ، وأثبتوا لفعل اللواط اسم الزنى بالقياس الشرعي ، ثم أوجبوا حد الزنى فيهما بالنص . وأجمعوا على أنه لا يجوز
اختراع ألفاظ مبتكرة بالقياس .
وقال
الأستاذ أبو إسحاق بعد حكاية الخلاف : واتفقوا على أن ما حدث بعدهم مما لم يضعوا له اسما ولم يكن عندهم فلم يعرفوه في وقتهم ، فلنا أن نسميه .
قال : واختلف أصحابنا في كيفيته ، فقال من جوز أخذ الأسامي قياسا : إنا نقيس ما لم نعرفه فنعزيه إلى ما يشبه ، فيكون ذلك على لسان
العرب بأصلها .
[ ص: 261 ]
وقال من امتنع منه : إنا نسميه بما شئنا للحاجة الداعية إليه ، ولا يكون ذلك من لغة
العرب ، ولكنه كما يعرب من كلام الفرس للحاجة .