[ التنبيه الثاني ] [
أقسام اللازم ]
إن اللازم على قسمين : لازم في الذهن بمعنى أن الذهن ينتقل إليه عند فهم المعنى ، ويلزم من تصور الشيء تصوره ، كالفردية للثلاثة والزوجية للأربعة سواء كان لازما في الخارج أيضا ، كالسرير في الارتفاع من الأرض ، إذ السرير كلما وجد في الأرض فهو مرتفع ، ومهما تصور في الذهن فهو مرتفع ، أو لم يكن كالسواد إذا أخذ بقيد كونه ضدا للبياض ، فإن تصوره من هذه الحيثية يلزمه تصور البياض ، فهما متلازمان في الذهن متنافيان في الخارج ، ولا يتصور ذلك في اللازم الخارجي فقط كالسرير مع الإمكان ، فإنه مهما وجد السرير في الخارج فهو ممكن ضرورة ، وقد يتصور السرير ويذهل عن إمكانه ، فافهم هذا التقرير فإنه الصواب ، وفي عباراتهم إيهام ، واللازم الثاني في الوجود وهو كون المسمى بحيث يلزم من حصوله في الخارج حصول الخارجي فيه .
[ ص: 274 ] إذا عرفت ذلك فلا خلاف في أن المعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني ، سواء كان في ذهن كل واحد كما في المتقابلين ، أو عند العالم بالوضع ، وزاد
الإمام فخر الدين : " ظاهرا " لأن القطعي غير معتبر ، وإلا لم يجز إطلاق اسم اليد على القدرة ونحوه ، فإن اليد لا تستلزم القدرة قطعا ، لأن اليد تكون شلاء بل ظاهرا ، ومثله قول
السكاكي في المفتاح " : المراد باللزوم الذهني البين القرينة بحيث ينتقل الذهن من فهمه إلى فهمه ، كالشجاعة للأسد ، فإنها لازمة ظاهرة يصح إطلاق الأسد لإرادتها بخلاف البخر ، وإن كان لازما للأسد لا أنه أخفى ، فلا يجوز إطلاق الأسد لإرادته .
واختلفوا في
اللازم الخارجي هل يعتبر في دلالة الالتزام ؟ فذهب جماعة من الأصوليين إلى اعتباره ، فيستدلون باللفظ على كل ما يلزم المسمى ذهنيا أو خارجيا ، ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب . وذهب المنطقيون ووافقهم
الإمام فخر الدين الرازي nindex.php?page=showalam&ids=13926والبيضاوي إلى أنه لا يشترط لحصول الفهم بدونه كما في الضدين ، وإذا لم يمكن فهم فلا دلالة ، ويرد عليهم أنواع المجازات .
والحق : التفات هذا الخلاف على أصل سبق في تفسير الدلالة هل يشترط فيها أنه مهما سمع اللفظ مع العلم بالوضع فهم المعنى أم لا ، بل يكفي الفهم في الجملة ؟ وبه يظهر رجحان كلام الأصوليين ، بل قد توسع البيانيون فأجروها فيما لا لزوم بينهما أصلا ، لكن القرائن الخارجية
[ ص: 275 ] استلزمته ، ولهذا يجري فيها الوضوح والخفاء بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال ، فحصل ثلاثة مذاهب أوسعها الثالث ، وهو الأظهر . واحتج
الإمام بأن الجوهر والعرض متلازمان في الخارج ، واللفظ الدال على أحدهما لا يدل على الآخر بالالتزام وهو ضعيف لوجهين :
أحدهما : أن دلالة اللفظ على المعنى غير استعماله فيه ، فلا يلزم من انتفاء استعمال لفظ الجوهر في العرض وعكسه انتفاء دلالة أحدهما على الآخر بالالتزام ، إذ ليس الاستعمال نفس الدلالة ولا لازمها كما في الوضع الأول قبل الاستعمال .
الثاني : أنه إنما يتم أن لو لزم من وجود الشرط وجود المشروط ، فلم يلزم من وجود اللزوم الخارجي بدون دلالة الالتزام عدم كونه شرطا لها ، لجواز أن يكون شرطا أو لازما أعم .
والعجب من
الإمام أنه صرح عقيب هذا الاستدلال أن اللزوم الذهني شرط لا موجب ، فبتقدير أن يكون اللزوم الخارجي معتبرا كان كذلك ، فكيف استدل بوجوده مع عدم الاستعمال على عدم الاعتبار ؟