الثاني : أن
إثبات الفعل هل يستدعي إثبات مطاوعه أم لا ؟ مثاله :
[ ص: 309 ] إذا قلت أخرجته ، فهل يستدعي ذلك حصول الخروج أو لا يستدعيه ؟ حتى يصح أن تقول : أخرجته فما خرج وعلمته فما تعلم ، وبهذا صرح في المحصول " في الكلام على أن اللغة توقيفية ، وينسب إلى النهاية "
لإمام الحرمين حكاية فيه .
ولا شك أن الموارد مختلفة والاستعمالان واقعان في العرف بحسب اختلاف الموارد .
ونقل عن
الشيخ علاء الدين الباجي : أنه كان يذهب إلى أن الفعل لا يستدعي مطاوعه ويقول : لو لم يصح علمته فما تعلم لما صح علمته فتعلم . يعني بذلك أن التعليم لو كان علة لحصول العلم لما عطف عليه بالفاء ، لأن العلة مع معلولها لا تعقيب بينهما ، وإن قلنا : إن المعلول يتأخر لم يكن فائدة في قولنا : فتعلم لأن التعلم فهم من قولنا : علمته ، وهذا كلام ضعيف ; لأنا إن سلمنا أن العلة غير سابقة للمعلول زمنا فهي سابقة بالذات إجماعا ، وذلك كاف في تعقيب معلولها ، فإن قلت : أليس يقال : كسرته فما انكسر ؟ فما وجه صحة قولنا مع ذلك علمته فما تعلم .
قلت : فرق بينهما
الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى بأن العلم في القلب من الله تعالى يتوقف على أمور من المعلم والمتعلم فكان علمته موضوعا للجزء الذي من العلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم بخلاف الكسر ، فإنه أثر لا واسطة بينه وبين الانكسار . ورجح بعض أذكياء المتأخرين أن الفعل يستدعي حصول مطاوعه محتجا بقوله تعالى : {
من يهد الله فهو المهتدي } فأخبر عن كل من هداه بأنه اهتدى ، واهتدى مطاوع هدى ، وأنه حيث وجدناه في الاستعمال بغير ذلك فهو مجاز ، لكن يشهد لوجود الفعل دون
[ ص: 310 ] مطاوعه قوله تعالى : {
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } وقوله : {
ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا } فإن كلا منهما يتضمن حصول التخويف ، ولم يحصل للكفار خوف أعني الخوف النافع الذي يصرفهم إلى الإيمان ، فإنه هو المطاوع للتخويف المراد في الآية ، وأما قوله تعالى {
وأما ثمود فهديناهم } فليس من ذلك لأن الهدى هنا بمعنى الدعوة لا بمعنى الرشاد ، لقوله تعالى {
فاستحبوا العمى على الهدى } .