مسألة [ اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ]
تقدم أن الأقسام أربعة : اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ، وهو القياس الذي يجب أن تكون عليه الألفاظ ، لأن بذلك تنفصل المعاني ولا تلتبس ، واختلاف اللفظين والمعنى واحد وهو الترادف ، وعكسه
[ ص: 411 ] الاشتراك ، وبقي قسم آخر أهمله الأصوليون ، وهو
اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ، وهو باب الأضداد .
قال
أبو محمد بن الخشاب في بعض مؤلفاته : الضد معناه : الملء ، يقال : ضددت الإناء أضده ضدا : إذا ملأته ، فإن كل واحد من الضدين يشغله الحيز عن الآخر قد ملئ دونه ، قال : وقد صنف اللغويون فيها كتبا
nindex.php?page=showalam&ids=13721كالأصمعي وغيره ، وأحسن من جاء بعده
أبو بكر بن محمد بن القاسم الأنباري ، وممن أنكره
أحمد بن يحيى بن ثعلب ، ولم يوافقه الأكثرون على مذهبه .
قال
الفارسي : ولا خلاف في أن اللفظة الواحدة تقع للشيء وخلافه ، كوجدت استعمل بمعنى غضبت ، وبمعنى حزنت ، فإذا جاز ذلك جاز وقوعها للشيء وضده ، لكون الضد ضربا من الخلاف . انتهى . هكذا نسب
ابن الخشاب الجواز للأكثرين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبو إسحاق الزجاج في كتاب " إفساد الأضداد " : ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم . والذي كان عليه شيخا
البصريين والكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=15153محمد بن يزيد المبرد وأحمد بن يحيى بن ثعلب دفع أن تكون
العرب وضعت اسما واحدا للشيء وضده إلا ما وضعت من أسماء الأجناس نحو " لون " فإنه لمعنى ينطلق على السواد والبياض ، وكذلك الفعل يطلق على القيام والقعود .
وقال
أبو الفتح بن جني : إن الأضداد واقعة في اللغة ، لكن تتداخل اللغات لا أنها اجتمعت على وضعها قبيلة واحدة في وقت واحد ، بل قبائل ثم فشت اللغات ، وتداخلت بالملاقاة والمجاورة ، فنقلت إلى كل لغة صاحبه .
وحاول بعضهم ما جاء من ذلك على التواطؤ ، فيقول في " الصريم " : إنما سمي الليل والنهار صريما لانصرام كل واحد منهما عن صاحبه ، والضوء
[ ص: 412 ] والظلمة إنما سميا " سدفة " من قولك : أنا في سدفك أي مستتر بك ، وهذا في الظلمة واضح ، وفي الضوء لأنها تقال في الظلمة التي يخالطها مقدمة ضوء . وتقول في مثل " الجلل " : إنه العظيم بحق الإثبات وعلى الصغير بالسلب ، كقولهم : ب ، ونائم ، وأعجمت الكتاب ، ورجل مبطن أي خميص البطن ، فعلى هذا القول يكون اجتماع الأضداد في الشعر إيطاء .
وقال
ابن الحاج الإشبيلي تلميذ الشلوبين : الحق أن التضاد في اللغة موجود على ما صورته من التداخل ، ولعمري لقد كان يمكن دون تداخل ، ولكن بتواضع واحد ، ولكن بحسب قصدين أو وقتين وإنما المحال أن يقصد الواضع وضع لفظ لمعنيين ضدين أو غيرين ملتبسا لذلك غير مبين له ، فإن ذلك يقتضي وضع اللغة ويبطل حكمة المخاطبة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده في " المخصص " : أما في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فينبغي أن لا يكون قصدا في الوضع ولا أصلا ، لكنه من تداخل اللغات ، أو يكون لفظه يستعمل لمعنى ، ثم يستعار لشيء ، فيكثر ويغلب فيصير بمنزلة الأصل .
قال
الفارسي : وكان أحد شيوخنا ينكر الأضداد التي حكاها أهل اللغة ، وأن تكون لفظة لشيء وضده ، والقول في ذلك أنه لا يخلو إنكاره لذلك من حجة سماعا أو قياسا ، فلا حجة له من جهة السماع ، بل الحجة من هذه الجهة في المراد عليه ، لأن أهل اللغة
كأبي زيد وغيره
وأبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي ومن بعدهم قد حكوا ذلك وصنفوا فيه الكتب ، فإن قال : الحجة من الجهة الأخرى ، وهي أن الضد بخلاف ضده ، فإذا اشتركتا في لفظة واحدة ، ولم يخص كل واحد منها بلفظ يتميز به ألبس وأشكل ، فصار الضد شكلا والشكل ضدا ، وهذا إلباس . قيل له : هل يجوز عندك أن
[ ص: 413 ] يجيء في اللغة لفظان متفقان لمعنيين مختلفين ؟ فإن منع ذلك فقد منع ما ثبت جوازه ، وقول العلماء له فإذا لم يكن سبيل إلى منع هذا ثبت جواز اللفظة الواحدة للشيء وخلافه ، وإذا جاز وقوعها للشيء وخلافه جاز وقوعها للشيء وضده . إذ الضد ضرب من الخلاف ، وإن لم يكن خلاف ضدا .
قال : ويدل على جواز وقوع اللفظة الواحدة لمعنيين مختلفين قوله تعالى في وصف أهل الجنة : {
لم يدخلوها وهم يطمعون } فلا يكون الطمع هذا إلا بمعنى اليقين ، ولا يجوز أن يكون من الذي يطمع فيه ، ويقع خلافه ، لأنه ليس في الآخرة شك ، وكذا قوله تعالى حكاية عن
إبراهيم : {
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } فهذا لا يكون إلا بمعنى العلم ، لأن
إبراهيم لا يشك في المغفرة . انتهى .