البحث الثامن : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق : هذه أول مسألة نشأت في
[ ص: 25 ] الاعتزال ، وقالت
المعتزلة بمنزلة بين المنزلتين ، أي جعلوا الفسق منزلة متوسطة بين الكفر والإيمان لما علموا أن الإيمان في اللغة التصديق ، والفاسق موحد ومصدق ، فقالوا : هذه حقيقة الإيمان في اللغة ، ونقل في الشرع إلى من يرتكب شيئا من المعاصي . فمن ارتكب شيئا منها خرج عن الإيمان ، ولم يبلغ الكفر ، ثم أجاز
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق أن الإيمان يبقى على موضوعه في اللغة ، وأن الألفاظ التي ذكرناها من الصلاة والصيام والحج وغير ذلك منقولة ، قال : وليس من ضرورة النقل أن يكون في جميع الألفاظ ، وإنما يكون على حسب ما يقوم عليه الدليل . ونقل الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد أنه استدل على أن
الشارع نقل الإيمان عن معناه اللغوي إلى الشرعي بأنه نقل الصلاة والحج ونحوهما إلى معان أخرى قال : فما بال الإيمان ؟ وهذا يدل على تخصيص الخلاف بالإيمان ، وهو الذي وقع فيه النزاع في ظهور الاعتزال . وقال
ابن برهان : حرف المسألة أن القضاء بنقل الأسامي لا يفضي إلى تفسيق الصحابة ، ولا إلى خروج الفاسق إلى الإيمان ، وعندهم يفضي إلى ذلك
البحث التاسع : أن الخلاف في هذه المسألة تظهر فائدته في مسألتين . إحداهما وهو أصله أنه
هل بين الإيمان والكفر واسطة وهو الفسق أم لا ؟
فأهل السنة لا يثبتونه ، وأثبتته
المعتزلة قائلين بأن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، ولا
[ ص: 26 ] كافر ، أما أنه ليس بكافر فبالإجماع ، وأما أنه ليس بمؤمن فلأن الإيمان فعل الواجب الذي منه كف النفس عن الشهوات ، وقد أخل به فرأوا أن التعبير بالتسمية وقع من الشرع ، وأنه أراد به معنى لم ترده
العرب ، وحملوا على ذلك ظواهر الأحاديث النافية للإيمان عن مرتكب الكبيرة ، نحو : {
لا يزني الزاني وهو مؤمن } وأنه لم يرد نفي التصديق . وأما
الأشعرية فيؤولونه على المستحيل وغيره ، ومنعوا كون الشرع غير اللغة ، بل التصديق باق فيه ، وقالوا : صاحب الكبيرة مؤمن مطيع بإيمانه ، وكذا القول في الأسماء الفرعية ، كمن صلى بغير قراءة ، فمن رأى أنها باطلة قال : إنه ما أتى بما يسمى صلاة في اللغة ، وقد قال تعالى : {
وأقيموا الصلاة } ومن صححها قال : دعاء الشرع غير دعاء اللغة ، وكذا الباقي . واستشكل
الإمام في المعالم " على
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن القاعدة : أن الماهية المركبة تنتفي بانتفاء جزء من أجزائها ، ولا شك أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل واعتقاد ، فينبغي إذا انتفى العمل أن ينتفي الإيمان ، قال : وهو سؤال صعب ، ولأجله طردت
المعتزلة مذهبهم فسلبوا الإيمان عنه . وقد ذكر هذه الشبهة
nindex.php?page=showalam&ids=17032الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة " وأجاب عنها : بأن للإيمان أصلا متى نقص عنه مثقال ذرة زال عنه اسم الإيمان ، وقوله : ينقص لم يزل الاسم ، ولكن يزداد بعد إيمانا إلى إيمانه ، فإن نقصت الزيادة التي بعد الأصل لم ينقص الأصل الذي هو التصديق ، وذلك كنخلة تامة ذات أغصان وورق ، فكلما قطع منها غصن
[ ص: 27 ] لم يزل عنها اسم الشجرة ، وكانت دون ما كانت عليه من الكمال من غير أن يزول اسمها ، وهي شجرة ناقصة بالنسبة لغيرها من استكمالها التامة
الفائدة الثانية : أن هذه الأسماء إذا وجدت في كلام الشارع مجردة عن القرينة محتملة المعنى اللغوي والشرعي فعلى أيهما يحمل ؟ فمن أثبت النقل قال : إنها محمولة على عرف الشارع ; لأن العادة أن كل متكلم يحمل لفظه على عرفه ، وقياسه قول
القاضي : حملها على المعنى اللغوي ، لكن المنقول عن
القاضي أنها مجملة ، وهو مشكل على أصله هنا . قال
الإبياري : قول
القاضي : إنه مجمل يناقض مذهبه في حجة الأسماء الشرعية . اللهم إلا أن يكون له قول آخر بإثباتها ، وإلا فالإجمال مع اتحاد جهة الدلالة محال ، أو يكون ذلك منه تفريعا على قول من يثبتها ، وهذا ضعيف فإنه من أين له الحكم عليهم ؟ فإنهم يسوون بين النسبة إلى المسميين .
قلت : وبهذا الأخير صرح
القاضي في " التقريب " فقال : فإن قيل :
ما تقولون لو ثبت أسماء شرعية هل تحمل على موجب اللغة أو الشرع ؟ قلنا : يجب الوقف ; لأنه لا يجوز أن يراد بها ما هو لها في اللغة ، ويجوز أن يراد ما هو في الشرع ، ويجوز أن يريد الأمرين ، فيجب لتجويز ذلك الوقف حتى يدل دليل على المراد .
وقال
السهروردي : تردد
القاضي بين نفي الكمال والصحة ليس لاعترافه باللغات الشرعية ، بل لأنه يرى الإضمار ، ولا تعين لأحد الإضمارين . واعلم أن الشرعية تطلق على معنيين : ما في كلام الشارع ، وما في
[ ص: 28 ] كلام حملة الشرع من
المتكلمين والفقهاء ، وهذا الخلاف المذكور في الشرعية ، إنما هو بالنسبة إلى كلام الشارع ، وأما بالنسبة إلى الشرعية فيحمل على المعنى الشرعي بلا خلاف ; لأنها بالنسبة إليهم حقيقة عرفية لا حاجة لهم فيها إلى القرينة كما هو حكم الحقائق . وقال
الماوردي في " الحاوي " في أول كتاب الصلاة : اختلف أصحابنا في أن
لفظ الصلاة وغيرها هل لا يعقل معناه إلا بالشرع ، أو هو ظاهر قبل ورود البيان ؟ على وجهين . وبنوا عليهما أن
اسم الصلاة هل جاء به الشرع كما جاء ببيان الحكم ، أو كان معروفا عند أهل اللسان ، والشرع اختص ببيان الأحكام ؟ فمن قال بالأول قال : إن الشرع أحدث الاسم كالحكم ، ومن قال بالثاني قال : إن الاسم مأخوذ من أهل اللغة ، والبيان من الشرع . وقال أيضا : اختلفوا في اسم الصلاة والزكاة هل جاء ببيان الشرع كما جاء ببيان الحكم ، كان معروفا عند أهل اللسان ، والشرع اختص ببيان الحكم ؟ على ثلاث مذاهب : أحدها : أنه أحدث الأسماء شرعا كالأحكام ، وهذا قول من زعم أن اسم الصلاة مجمل ، فجعله مستحدثا بالشرع ; لأن
العرب لم تكن تعرفه على هذه الصفة . والثاني : أن الشرع مختص بورود الأحكام ، وإنما الأسماء مأخوذة من أهل اللغة ; لأن الأسماء لو وردت شرعا لصاروا مخاطبين بما ليس من لغتهم ، وهذا قول من قال : إنها ليست بمجملة . والثالث : وهو قول جمهور أهل العلم وكافة أهل اللغة : أنها أسماء قد كان لها في اللغة حقيقة ومجاز ، فكان حقيقتها ما نقلها الشرع عنه ، ومجازها ما قررها الشرع عليه لوجود معنى من معاني الحقيقة ، فعلى هذا سميت صلاة لما تضمنت من الدعاء هو مسمى في اللغة صلاة .