العلاقة الثانية عشرة المجاز بالنقصان : كقوله تعالى {
إنما جزاء الذين يحاربون الله }
[ ص: 82 ] أي : أهل الله . قال
الإمام في " التلخيص " : وهو مثال سديد ، وقوله {
واسأل القرية } فإن المراد أهلها ، ومنهم من لم يجعله مجازا ، وقال : لا نقول أقيمت القرية مقام أهلها ، بل حذف من الخطاب ذكر الأهل لدلالة بقية الخطاب عليه ، والإضمار والحذف ليسا من المجاز ، فإن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ، حكاه
الإمام في " التلخيص " ،
وابن القشيري في أصوله " ، وقالا : ميل
القاضي إلى أنه يسمى مجازا ، قال : وهو الظاهر ، والخلاف فيه سهل ، وكذا قال
إلكيا : الخلاف لفظي ، ولا خلاف في المعنى .
وحاصل الخلاف : أن المضمر هل هو سبب التجوز أو محل التجوز ؟ وطريقة البيانيين تقتضي الثاني . قال
المطرزي : وإنما يكون كل من الزيادة والنقصان إذا تغير بسببه حكم ، وإن لم يتغير فلا ، فلو قلت : زيد منطلق وعمرو ، وحذفت الخبر لم يوصف بالمجاز ; لأنه لم يؤد إلى تغيير حكم من أحكام ما بقي من الكلام . انتهى . والتمثيل بالآية مبني على أن المراد بالقرية الأبنية ، وهي لا تسأل : وقيل إنها مشتركة بينها وبين الناس المجتمعين فيها ، وقيل : بل القرية حقيقة في الناس بدليل قوله : {
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } {
وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة } {
وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها }
[ ص: 83 ] ولأنها مشتقة من القر ، وهو الجمع ، ومنه قرأت الماء في الحوض أي جمعته ، ومنه القرى ، وهي الضيافة لاجتماع الناس لها . وقيل إنها من باب إطلاق المحل وإرادة الحال ، لا من الحذف .
وقيل : لا مجاز أصلا ، ولا حذف بل السؤال حقيقي لها ، ويكون معجزة ; لأنه في زمن النبوة . والصحيح من هذا كله : هو الأول ، وهو المنصوص
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في كتاب " الرسالة " ونقله عن أهل العلم باللسان وجعل هذه الآية من الدال لفظه على باطنه دون ظاهره ، فقال : قال الله تعالى وهو يحكي قول إخوة
يوسف لأبيهم {
وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون } فهذه الآية في معنى الآيات قبلها لا يختلف أهل العلم باللسان أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير ; لأن القرية والعير لا ينبئان عن صدقهم . ا هـ كلامه .
وقد أشكل على جماعة جعل الزيادة والنقصان من أنواع المجاز الإفرادي ; لأن المجاز الإفرادي لفظ مستعمل في غير ما وضع له ، وجميع الألفاظ المذكورة في الآيتين مستعمل فيما وضع له ، فالقرية في القرية ، والسؤال في السؤال ، وكذا الآية الأخرى ، فلم يبق إلا المحذوف ، وهو الأصل ، والمحذوف مسكوت عنه لم يستعمل ألبتة ، والزائد كذلك لم يستعمل في شيء ، وما لا يستعمل في شيء لا يكون حقيقة ، ولا مجازا ، فالأقرب أنه من مجاز التركيب لا الإفراد واختاره
الأصفهاني وجماعة ; لأن
العرب وضعت
[ ص: 84 ] السؤال لتركيب لفظة مع لفظة فيما يصلح للإجابة ، فحيث ركبته مع ما لا يصلح ، فقد عدلت عن التركيب الأصلي إلى تركيب آخر ، ولا معنى للمجاز المركب إلا هذا ، وكذلك حروف الزيادة وضعتها لتركبها مع معنى ، فإذا ركبتها لا مع معنى ، فهو مجاز في التركيب .
وأجيب بوجهين : أحدهما : أن المجاز في المذكور باعتبار أنه يغير حكم إعرابه ; لأن القرية مع ذكر الأهل مجرورة ، وعند حذفها منصوبة ، وكذلك " مثل " مجرورة بزيادة الكاف ، وكان حكمه في الأصل النصب ، فإنما وقع المجاز في الجر والنصب من الزيادة والنقصان ، وقد صرح بذلك أهل البيان ، وشرطوا في مجاز الحذف أن يتغير حكم إعراب الكلمة ، فإن لم يتغير لم يكن مجازا ، وإن كان ثم حذف ، ومثاله : قوله تعالى : {
فقبضت قبضة من أثر الرسول } فإن المقدر من أثر فرس الرسول ، فالمذكور هنا لم يتغير حكم إعرابه فلا يكون مجازا . الثاني : أن تعريف المجاز الإفرادي صادق عليه وإن لم يلحظ لك ; لأن قوله : {
واسأل القرية } موضوع لسؤالها مستعمل في سؤال أهلها ، فكان مجازا ، وليس هو مجازا في التركيب ، فإن مجاز التركيب مثل قولك : أنبت الربيع البقل لفظ مستعمل في موضوعه ، فمقتضاه إسناد الإثبات إلى الربيع ، ولكنا علمنا بالعقل أنه ليس كذلك ، وإنما هو من الله ، فعلمنا أنه مجاز عقلي ، وليس المراد بالمجاز بالزيادة والنقصان أن اللفظة الزائدة وحدها أو الناقصة وحدها مجاز ، ولا نعني بمجاز التركيب إلا إسناد الفعل إلى الفاعل ، وهو الذي يكون فيه من جهة الموضوع اللغوي صحيحا ، وإنما جاء المجاز من جهة العقل حتى لو فرض هذا الكلام من كافر يعتقد حقيقته لم يكن مجازا .