مسألة [
قلة استعمال الحقيقة فلا يفهم معناها إلا بقرينة ] قد يقل استعمال الحقيقة في معناها فتصير بحيث إذا أطلقت لا يفهم المعنى الذي كانت حقيقة فيه إلا بقرينة ، فتلحق بالمجاز كالغائط للمكان المطمئن ، فإنه حقيقة ثم هجر ، ويكثر استعمال اللفظ في المعنى الذي كان مجازا فيه فيصير بحيث إذا أطلق فهم منه ذلك المعنى من غير قرينة فيلتحق بالحقائق ; لأن استعمال هذه الألفاظ في معانيها تابع لاختيار الواضع والمستعمل ، لا لأنفسها . وحكى
القاضي عبد الوهاب عن قوم منعوا ذلك ، وقالوا : لا يجوز أن تغير الحقيقة عن دلالتها لا بكثرة الاستعمال في مجازها ، ولا بقلته فيها ولا بغير ذلك ، وكذا منعوا أن يتغير المجاز عن دلالته بأن يصير يدل على المراد بلا قرينة . قالوا : ; لأن ذلك يوجب قلب دلالة الاسم ومعناه ، والأدلة لا تنقلب عما هي عليه .
[ ص: 113 ] قال
القاضي . وهذا باطل للقطع بأن وضع هذه الألفاظ ليس عن علة عقلية أو دليل عقلي ، وإنما حصل الاتفاق بالمواطأة ، وذلك يدل على أنه لو اتفق على تسمية كل مسمى بغير اسمه لدل عليه ، كدلالة اليوم على ما اتفق عليه ، وقولهم : إنه يوجب قلب الأدلة فذلك في الأدلة القطعية أما ما ثبت بالمواطأة والمواضعة فلا يمنع ذلك . وقال صاحب " المصادر " : ما ذكرناه من
صيرورة المجاز حقيقة ، والحقيقة مجازا إنما نجوزه قبل نزول القرآن واستقرار حكمه ، فأما بعد نزوله فلا ، وإلا لانسد علينا طريق معرفة الله بمراد خطابه ، ويتطرق الوهم إلى الحقائق . ا هـ .
والمشهور الجواز مطلقا .