صفحة جزء
مسألة [ تعدد وجوه المجاز ] إذا تعذرت الحقيقة وتعددت وجوه المجاز ، وكان بعضها أقرب إلى الحقيقة تعين الحمل عليه . قال ابن دقيق في " شرح الإلمام " : هذه إذا كانت المجازات بينها تناف في الحمل ، فإن لم يكن ومنع من الحمل عليها مانع ، وأحدها أقرب إلى الحقيقة تعين الحمل على الأقرب منهما ، أو يحمل عليهما جميعا لتناول ذلك الوجه العام لها ، وعدم المنافي يحتمل أن يحمل على الأقرب إلى الحقيقة ، ويحتمل أن يحمل عليهما ; لأن في الحمل على الأقرب محذور التخصيص مع إمكان التعميم ، بخلاف ما إذا تعددت وجوه المجاز ، ووقع التنافي في الحمل ، فإنه ليس فيه هذا المحذور . ومثال ما إذا تعذر الحمل على الحقيقة وتعددت وجوه المجاز مع التنافي : ما إذا دخل على الحقيقة اللغوية وتعذر الحمل عليها ، كما في لا عمل إلا بنية [ ص: 114 ] مثلا ، فإن الحقيقة متعذرة ، واحتمل أن يقدر : لا صحة عمل ، واحتمل أن يقدر لا كمال عمل فهذان وجهان من المجاز ، وفي الحمل على أحدهما منافاة للآخر ; لأنا إذا قلنا : لا صحة لزم انتفاء الكمال ، وإذا قلنا : لا كمال لم يلزم انتفاء الصحة ، والحمل على الصحة أقرب إلى انتفاء الحقيقة من الحمل على الكمال . قلت : ومن المرجحات عند تعذر الحقيقة وتعدد المجاز فيها ما تحققت علاقته ، فهو أولى مما لم تتحقق علاقته : مثاله : قوله عليه الصلاة والسلام : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } . فإن الحنفية حملوه على المتساويين ، وأطلق عليهما بائعين باعتبار المستقبل ، والشافعية حملوه على من صدر منهما البيع باعتبار الماضي ، وكل منهما مجاز ، لكن مجاز الشافعية أولى لوجهين : أحدهما : أن العلاقة متحققة بخلاف إطلاق الفعل ، وإرادة المستقبل ، فإنه قد لا يتحقق صدور البيع . الثاني : الاتفاق على مجازيته باعتبار المستقبل ، والاختلاف فيه باعتبار الماضي هل هو حقيقة أم لا ؟ فكان راجحا بهذا الاعتبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية