[
اعتراض على حد الأمر ] لما أخذوا الطلب في حد الأمر اعترض عليهم بأن الطلب أخفى من الأمر ، والتعريف بالأخفى يمتنع ، فقال الجمهور : الطلب بديهي التصور ; لأن كل واحد يعرف بالبديهة تفرقة بين طلب الفعل وطلب الترك ، ثم قالوا : معنى الطلب هو غير الصيغة لاتحاده واختلافها وتبدله وثبوتها ، بل هو معنى قائم بنفس المتكلم يجري مجرى العلم والقدرة وسائر الصفات ، وهذه الصيغ المخصوصة دالة عليها .
[ ص: 265 ] ويتفرع على هذه القاعدة مسائل : الأولى : أن
دلالة صيغة الأمر على الطلب يكفي فيها الوضع ، ولا يشترط أن يكون الآمر مريدا للمأمور به هذا قول
أهل السنة واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=15090الكعبي . وقال
أبو علي الجبائي وابنه
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبو هاشم وتبعهما
القاضي عبد الجبار .
وأبو الحسين : لا بد معه من إرادة المأمور به في دلالة الأمر عليه ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان في العيون " عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، وقالوا : لا ينفك الأمر عن الإرادة محتجين بأن الصيغة كما ترد للطلب ترد للتهديد مع خلوه عن الطلب فلا بد من مميز بينهما ، ولا مميز سوى الإرادة وأجيب بأن التمييز حاصل بدونها ; لأن صيغة الأمر حقيقية في القول المخصوص مجاز في غيره ، وهذا كاف في التمييز ، وقال بعضهم : ذهب
المعتزلة إلى أنه لا يكون أمرا إلا بالإرادة فإن لم تعلم إرادته لم يكن أمرا ، واختلفوا
هل تعتبر إرادة الأمر أو إرادة المأمور به ؟ فاعتبر بعضهم إرادة الأمر المنطوق به ، واعتبر آخرون منهم إرادة الفعل المأمور به . والذي عليه جمهور الفقهاء أن الأمر دليل على الإرادة وليست الإرادة شرطا في صحة الأمر ، وإن كانت موجودة مع الأمر فيستدل بالأمر على الإرادة ، ولا يستدل بالإرادة على الأمر . وقد حرر
ابن برهان هذه المسألة فقال في كتاب الأوسط " : اعتبر بعضهم لمصير الصيغة أمرا ثلاث إرادات :
[ ص: 266 ] إحداها : أن يكون الآمر مريدا لإيجاد الصيغة حتى إذا لم يكن مريدا لها بأن يكون ساهيا أو ذاهلا أو نائما لا تكون الصيغة الصادرة منه أمرا . والثانية : أن يكون مريدا لصرف صيغة الأمر من غير جهة الأمر إلى جهة الأمر . فإن الأمر قد يطلق على جهات كالتعجيز والتكوين والوعيد والزجر وغيره ، فلا بد أن يكون مريدا لصرف الصيغة من هذه الجهات إلى جهة الأمر وعبر الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري عن هذا فقال : فلا بد أن يكون مريدا بالصيغة ما هو المعنى القائم بالنفس . والثالثة : هي
إرادة فعل المأمور والامتثال ، فأما الأولى ، وهي إرادة إيجاد الصيغة فلا خلاف في اعتبارها