مسألة إذا
ورد الخطاب من الشارع بفعل عبادة في وقت معين فخرج ذلك الوقت ولم يفعل ، فهل يجب القضاء بأمر جديد ابتداء أم يجب بالسبب الذي يجب به الأداء ، وهو الأمر السابق أي : يتضمنه ويستلزمه لا أنه عينه ؟ فيه قولان . وأكثر المحققين من أصحابنا على الأول . منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي وابن القشيري . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد وسليم وابن الصباغ ، وهو قول أكثر أصحابنا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد وأبو إسحاق : إنه الصحيح ، ونقل عن
المعتزلة منهم
أبو عبد الله البصري وحكاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي ، وقال
العالمي من الحنفية : إنه اللائق بفروع أصحابنا ، وقال
الباجي : إنه الصحيح . ونقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر وابن خويز منداد ، وقال
عبد العزيز الحنفي : إنه مذهب أصحابنا .
[ ص: 334 ] ووجهه أن صيغة التأقيت تقتضي اشتراط الوقت في الاعتداد بالمؤقت ، فإذا انقضى الوقت فليس في الأمر بالأداء أمر بالقضاء فلا بد من أمر ثان ، ولأن التكليف يتبع مقتضى الأمر وما دلت عليه الصيغة ، والصيغة لا تدل إلا على الأمر في الوقت المخصوص فدلالتها على الفعل في غيره قاصرة عنه ، وما وجب القضاء فيه فبدليل من خارج . وذهب الحنابلة ، وأكثر الحنفية إلى الثاني منهم
شمس الأئمة والجصاص nindex.php?page=showalam&ids=14330والرازي وغيرهم ، وبه قال
عبد الجبار وأبو الحسين من
المعتزلة ، وحكاه
الآمدي عن الحنابلة ، وحكاه
عبد العزيز في الكشف " عن عامة أصحاب الحديث .
قلت : وهو ظاهر نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم فإنه قال : فيما إذا ظاهر عنهما ظهارا مؤقتا : إن العود لا يحصل إلا بالوطء قال : ووجبت الكفارة واستقرت لا لأجل استحلال للوطء ، ثم قال : ولو طلقها بعد العود أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد ولزم كفارة الظهار ، وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة ، ومعنى قوله تعالى : {
من قبل أن يتماسا } وقت لأن يؤدي ما وجب عليه في الكفارة قبل المماسة ، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها ، كما يقال : له أد الصلاة في وقت كذا ، وقبل وقت كذا ، فيذهب الوقت
[ ص: 335 ] فيؤديها ; لأنها فرض عليه ، فإذا لم يؤدها في الوقت وأداها بعده فلا يقال له : زد فيها ، لذهاب الوقت قبل أن يؤديها . انتهى . قال
ابن الرفعة في المطلب " وهذا من
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يدل على أنه لا يرى القضاء بأمر جديد بل بالأمر الأول ، إذ لو كان لا يجب إلا بأمر جديد عنده لم يقسه على الصلاة ; لأن الأمر الجديد ورد فيها ، لكن
إمام الحرمين في باب التطوع من النهاية " قال : إن القضاء بأمر يجدد عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ويؤيده نصه في الرسالة " : على أن الصوم لا يجب على الحائض ، وإنما وجب القضاء بأمر جديد ، ونقل
الهندي عن صاحب التقويم " قولا ثالثا ، أنه يجب بالقياس على العبادات الفائتة عن وقتها الواجب قضاؤها في الشرع ، فإنه الأكثر بجامع استدراك مصلحة الفائتة .
وقال بعضهم وعند
أبي زيد الدبوسي أن وجوب القضاء إنما هو بقياس الشرع ، وأضافه إلى الشرع لتخرج المقدمتان والنتيجة ، فإن ذلك قياس العقل ، والمراد بقياس الشرع رد فرع إلى أصل بعلة جامعة بينهما . فكأنه قاس القضاء على المعاوضات الشرعية . وذهب بعض المتأخرين إلى وجوبه بالأمر الأول باعتبار آخر مخالف لما يقوله الحنابلة ، وبرهانه العلم القديم لم يتعلق بالأداء في حق من يستحيل وقوعه منه ; لأن ذاته معدومة في الموجودين ، فلو كلف العبد به كلف بما لا يطاق ، فإذن تعلق الأمر إنما هو بالفعل الذي يسمى قضاء ، وهو أمر واحد ، وهو الأمر الأول في حق القضاء ; إذ لا أداء هناك ولا فائت لعدمه في الموجودين العلمي والخارجي ، ومعنى هذا الخلاف أنه هل يستفاد من الأمر ضمنا الأمر بالقضاء ؟ أي : يستلزم ذلك كما يستفاد منه جميع الفوائد
[ ص: 336 ] الضمنية أو لا يستفاد ، هذا هو الصواب وصرح به
المازري وغيره .
وزعم
الأصفهاني في شرح المحصول " أن القائلين بأن القضاء بالأمر الأول يقولون : إنه يدل عليه مطابقة ، وأن هذا هو محل الخلاف ويساعده عبارة
ابن برهان : هل بقيت واجبة بالأمر السابق أم وجبت بأمر جديد ؟ وقال
عبد العزيز : موضع الخلاف في القضاء بمثل معقول ، فأما القضاء بمثل غير معقول فلا يمكن إيجابه إلا بنص جديد بالاتفاق ، وهذا كله في العبادة المؤقتة ، أما المطلقة إذا لم يفعل في أول أزمنة الإمكان على رأي من يجعل الأمر للفور ، فإن فعله بعده ليس قضاء عند الجمهور خلافا
للقاضي أبي بكر . ومن فروعه : ما لو
استأجر الولد سنة معينة ، ثم لم يسلمه حتى مضت انفسخ العقد ، ولا يجب بدلها سنة أخرى اعتبارا بالعقد الأول ، بل لا بد من إنشاء عقد جديد إن أرادها . وقال صاحب الواضح " المعتزلي : هذا الخلاف لا يجيء إلا من القائلين بأن الأمر يقتضي الفور ، وأما القائل بأنه للتراخي فلا ; لأن عنده أن الفعل في الوقت الثاني والثالث وفيما بعدها مراد ، وأن لفظ الأمر بإطلاقه يتناول الفعل في أي وقت شاء ، وبذلك صرح
أبو الحسين في المعتمد " ، فقال : أما القائلون بنفي الفور فيقولون باقتضائه فيما بعد ، ولا يحتاج إلى دليل ثان ، وأما القائلون بالفور هل يقتضي الفعل فيما بعد أو ، لا ؟ .
[ ص: 337 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق : ليس الغرض بهذه المسألة الكلام في أعيان المسائل التي اتفقنا فيها على وجوب القضاء في العبادة المؤقتة ، كالصلاة والصوم ، وإنما الغرض بيان إثبات هذا الأصل من مقتضى الأمر المطلق في موضع لا إجماع فيه . قال : وكذلك جميع مسائل الأصول التي نتكلم فيها المقصود إثبات أصل عند التجرد من القرائن . قال وفائدة الخلاف في هذه المسألة
جواز الاستدلال بالأوامر المطلقة في أداء العبادة على قضائها إن قلنا : يجب ما يجب به الأداء ، ومنعه ، وإن قلنا يجب بأمر جديد . قيل : ومنشأ الخلاف يرجع إلى قاعدتين : الأولى : أن الأمر بالمركب أمر بأجزائه . الثانية : أن الفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بذلك الوقت ، فمن لاحظ القاعدة الأولى قال : القضاء بالأول ; لأنه اقتضى شيئين الصلاة وكونها في ذلك الوقت ، فهو مركب ، فإذا تعذر أحد جزأي المركب وهو خصوص الوقت بقي الجزء الآخر وهو الفعل فيوقعه في أي وقت شاء ومن لاحظ الثانية قال : القضاء بأمر جديد ; لأنه إذا كان تعين الوقت لمصلحة فقد لا يشاركه الزمن في تلك المصلحة ، وإذا شككنا لم يثبت وجوب الفعل الذي هو القضاء في وقت آخر بدليل منفصل ، والمراد بالأمر الجديد إجماع أو خطاب جلي على وجوب فعل مثل الفائت خارج الوقت ، لا أنه يتجدد عند فوات كل واجب الأمر بالقضاء ; لأن زمن الوحي قد انقرض .