مسألة
وهل يدخل في العموم الصور غير المقصودة ؟ فيه قولان حكاهما
[ ص: 76 ] القاضي عبد الوهاب في " الملخص " وقال : ذهب متقدمو أصحابنا إلى وجوب وقف العموم على ما قصد به ، وأن لا يتعداه إلى غيره إلا بدليل ، وإن كانت الصيغة تقتضيه . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15021أبو بكر القفال وغيره من الشافعية .
وذهب أكثر متأخري أصحابنا إلى منع الوقف فيه ، ووجوب إجرائه على موجبه لغة . قال : وصورة المسألة أن يستدل بقوله تعالى : {
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى قوله : {
فالآن باشروهن } على إباحة كل نوع مختلف في جواز أكله ، أو شرب بعض ما يختلف في شربه ، وقد علم أن المقصود من الأكل والجماع في ليلة الصيام لا يحرم بعد النوم نسخا لما تقدم . وبقوله تعالى : {
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } الآية ، على وجوب الزكاة في نذر مختلف فيه أو نوع مختلف في تعلق الزكاة به ، وكذلك التعلق بالخطاب الخارج على المدح والذم ، نحو قوله تعالى : {
والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } على جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين ونحوه .
قلت : وستأتي ترجمة المسألة ب " العام بمعنى المدح ، والذم هل هو عام أو لا ؟ فهي فرد من أفراد هذه ، فيعاب على من ذكرهما في كتابه من غير تنبيه إلى ما أشرنا إليه ، وظهر من هذا أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يرى وقفه على ما قصد به ، وأنه غير عام ، ولهذا منع الزكاة في الحلي منع التمسك في الوجوب بقوله تعالى : {
والذين يكنزون الذهب والفضة } لأن العموم لم يقع مقصودا ، وإنما وقع هنا قرينة الذم ، وقرينة الذم أخرجته عن العموم ، والحنفية يميلون إليه ، ويبنون عليه أصولا في باب
[ ص: 77 ] الوقف ، واستنبط
ابن الرفعة من كلام
الغزالي في " الفتاوى " أن المقاصد تعتبر ، أعني مقاصد الواقفين فيتخصص بها العموم ، ويعم بها الخصوص . تنبيه
استشكل بعض المتأخرين هذه المسألة بأنها لا تتصور في كلام الله المنزه عن الغفلة والقائل بعدم الدخول ، قال بعدم خطورها بالبال ، وهو لا يتصور في حق الله ، وإنما يتصور بالنسبة إلينا . وجوابه : أن الله تعالى أنزل القرآن بلغة
العرب ، ويتصور أن يأتي العربي بلفظ عام على قصد التعميم مع ذهوله عن بعض المسميات ، فلما كان هذا معتادا في لغة
العرب ، كذلك الكتاب والسنة يكونان على هذا الطريق ، وإليه أشار
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في كتابه حيث وقع في القرآن الرجا " بلعل ، وعسى " ، ونحو ذلك مما يستحيل في حق الله تعالى ، إذ ذلك نزل مراعاة للغتهم . قاعدة
ذكر
إمام الحرمين في باب التأويل ،
وإلكيا الطبري تقسيما نافعا ، وزاده وضوحا
الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، وهو أن
اللفظ العام بوضع اللغة على ثلاث مراتب .
إحداها : ما ظهر . منه قصد التعميم بقرينة زائدة على اللفظ مقالية أو حالية بأن أورد مبتدأ لا على سبب ، لقصد تأسيس القواعد ، فلا إشكال في العمل بمقتضى عمومه . قال
إلكيا : والقرائن إما أن تنشأ عن غير اللفظ
[ ص: 78 ] كالنكرة في سياق النفي والتعليل ، فإنه أمارة الحكم على الإطلاق ، وإما أن ينشأ من اتساق الكلام ونظمه على وجه يظهر منه قصد العموم ، كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31874لا يقتل مؤمن بكافر } بعد أن قسم البابين قسمين .
الثانية : ما يعلم أن مقصود الشرع فيه التعرض لحكم آخر ، وأنه بمعزل عن قصد العموم ، فهل يتمسك بعمومه ، إذ لا تنافي بينه وبين إرادة اللفظ بغيره ؟ أو يقال : لا ، لأن الكلام فيه مجمل ، فيتبين من الجهة الأخرى فيه ؟ قولان .
قال
إلكيا : والصحيح أنه لا يتعلق بعمومه ، كقوله تعالى : {
والذين يكنزون الذهب } ، لأن
العرب ما وضعت للوعيد لفظا أحسن منه . ومثله
الشيخ تقي الدين بقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } ، فإن اللفظ عام في القليل والكثير ، لكن ظهر أن المقصود منه بيان قدر المخرج ، لا قدر المخرج منه ، ويؤخذ ذلك من قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62414ليس فيما [ ص: 79 ] دون خمس أوسق } ، فهذا لا عموم له في قصده ، والحنفي يحتج به في وجوب الزكاة في الحرث ، سواء القليل والكثير ، والسياق لا يقتضيه .
قال
الشيخ : والتحقيق عندي أن دلالته على ما لم يقصد به أضعف من دلالته على ما قصد به ، ومراتب الضعف متفاوتة ، والدلالة على تخصيص اللفظ وتعين المقصود مأخوذة من قرائن ، وتضعف تلك القرينة عن دلالة اللفظ على العموم ، ومن فوائد هذا أن ما كان غير مقصود يخرج عنه بذلك قرينة الحال ، لا يكون في قرينة الذي يخرج به العموم عن المقصود ، وهذه هي مسألة
القاضي عبد الوهاب التي حكى فيها الخلاف في وقف العموم على المقصود وعدمه .
الثالثة : ما يحتمل الأمرين ، ولم يظهر فيه قرينة زائدة تدل على التعميم ولا على عدمه ، كقوله تعالى : {
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فيحتج به على إبطال شراء
[ ص: 80 ] الكافر للعبد المسلم ، فإن الملك نفي السبيل قطعا ويجوز أن لا يراد ذلك باللفظ . قال
الطبري : وهو محتمل والمنع منه ظاهر . وقال
إمام الحرمين : الواجب في هذا القسم أنه إذا أول وعضد بقياس اتباع الأرجح في الظن ، فإن استويا وقف القاضي .
وقال
الغزالي : هي للإجمال أقرب من العموم ، ومثله بقوله تعالى : {
وافعلوا الخير } في التمسك به على إيجاب الوتر ، وبالآية السابقة على قتل المسلم بالذمي ، وكذلك بقوله : {
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } ، فإن إيجاب القصاص تسوية . قال : فلفظ الخير والسبيل والاستواء إلى الإجمال أقرب .
قال : وليس منه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } ، خلافا لقوم منعوا التمسك بعمومه ، لأن المقصود ذكر الفصل بين العشر ونصفه ، وهو فاسد لأن صيغته عامة ، لأنها من أدوات الشرط بخلاف السبيل والخير والاستواء ، نعم تردد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قوله تعالى : {
وأحل الله البيع } أنه عام أو مجمل ؟ وسنذكره ذيل الكلام في تعميم اسم الجنس المفرد .