[
الجمع إذا دخلت عليه الألف واللام ]
إذا علمت هذا ، فإن دخلت الألف واللام على الجمع أفادت الاستغراق . فإن تقدم عهد ودلت قرينة على قصده حمل عليه بلا خلاف ، وكان ذلك قرينة التخصيص ، ومنه ما إذا سبقه تنكير ، وظهر ترتب التعريف عليه ، لكن
القاضي عبد الوهاب في " الإفادة " قال : اختلف في الألف واللام على ثلاثة مذاهب .
أحدها : أنه يحمل على معهود إن كان ، فإن لم يكن حمل على الجنس ، وهو قول أكثر الفقهاء .
والثاني : عكسه : أنها تحمل على الجنس إلا أن يقوم دليل على العهد .
الثالث : أنه يحمل عند فقد العهد على الجنس من غير تعميم . وفيه خلاف آخر ، وهو أنه لا بد من ، عهد ، وإلا لم يصح دخولها . انتهى .
وإن لم يسبقه عهد ، فهي للعموم عند معظم العلماء ، قاله
ابن برهان ، وقاله
ابن الصباغ : إنه إجماع أصحابنا ، وحكي عن
الجبائي أنها لا تقتضي
[ ص: 118 ] الاستغراق ، قال
ابن السمعاني : سواء جمع السلامة والتكسير ، ، كاقتلوا المشركين ، واعمروا مساجد الله ، وقال
سليم الرازي في " التقريب " : سواء المشتق وغيره ، كالمسلمين والرجال . وقال غيره : سواء كان للقلة كالمسلمين والمسلمات ، أو للكثرة كالعباد والرجال ، وحكاه
أبو الحسين البصري في " المعتمد " عن
أبي علي الجبائي وجماعة الفقهاء ، وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبي هاشم أنه يفيد الجنس لا الاستغراق ، وحكاه صاحب " الميزان " عن
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبي علي الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=12187وأبي هاشم . قال : وحكي عنه أنه فرق بين المفرد والجمع ، فقال : وفي المفرد يصرف إلى مطلق الجنس من غير استغراق إلا بدليل .
وحكاه
المازري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبي حامد الإسفراييني من أصحابنا ، وهو غريب ، قال : وقالوا في قوله تعالى : {
وإن الفجار لفي جحيم } إنه يستوعب من حيث دخول الألف واللام .
ثم أنكر
إلكيا هذا وقال : الألف واللام معناها في لسان العرب تعريف العهد لا غير ، هكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وأن الألف الأصل لما كانت ساكنة ، ولم يتوصل إلى النطق بها ، وأن حرف التعريف هو اللام ، فثبت أنه لا يصير عاما ومستوعبا بدخول الألف واللام ، وقد كان ولم يكن مستوعبا قبل دخولها ، ولو كان اللام مفيدا للاستيعاب لما صح دخوله عن الأسماء المفردة ، لأن معناه لا يتغير بكون الاسم مفردا أو مجموعا ، كما لا يتغير معنى سائر الحروف .
قال : ولذلك زعم المحققون أن عموم قوله تعالى : {
والسارق والسارقة } {
الزانية والزاني } في معناه ، وهو ترتب الحكم على الوصف بفاء التعليل ، وهو أقرب من ادعاء العموم من لفظه . ولعل
إلكيا بنى هذا على قول أرباب الخصوص ، فإنه قال بعد ذلك : الصحيح أن هذه الألفاظ للعموم .
[ ص: 119 ]
ونبه
nindex.php?page=showalam&ids=12915أبو الحسين على فائدة ترفع الخلاف ، وهي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12187أبا هاشم وإن لم يجعله مستغرقا من جهة اللفظ ، فهو عنده عام من جهة المعنى إن صلح له ، كقوله تعالى : {
وإن الفجار لفي جحيم } ، فإنه يفيد أنهم في الجحيم لأجل فجورهم ، فوجب أن يكون كل فاجر كذلك ، لأنه خرج مخرج الزجر انتهى . هذا كله إذا قام الدليل على أنه لم يرد العهد ، فإن أشكل الحال واحتمل كونها للعهد أو الاستغراق أو الجنس ، فلم يصرحوا فيها بنقل صريح .
ويخرج من كلامهم فيها ثلاثة مذاهب ، وظاهر كلام بعضهم أنها تحمل على العهد ، وبه صرح
ابن مالك من النحويين ، وظاهر كلام أكثر الأصوليين أنها تحمل على الاستغراق ، لعموم فائدته ولدلالة اللفظ عليه ، ونقله
ابن القشيري عن المعظم ، وصاحب " الميزان " عن
أبي بكر بن السراج النحوي ، فقال : إذا تعارضت جهتا العهد والجنس يصرف إلى الجنس ، وهو الذي أورده
الماوردي والروياني في أول كتاب البيع . قالا : لأن الجنس يدخل تحته العهد ، والعهد لا يدخل تحته الجنس .
والثالث : أنه مجمل ، لأن عمومه ليس من صيغته ، بل من قرينة نفي المعهود ; فيتعين الجنس لأنه لا يخرج عنها ، وهو قول
إمام الحرمين ، وتبعه
ابن القشيري في كتابه ، وقال صاحبه
إلكيا الهراسي : إنه الصحيح ، لأن الألف واللام للتعريف ، وليست إحدى جهتي التعريف بأولى من الثانية ، فيكتسب اللفظ جهة الإجمال لاستوائه بالنسبة إليها .
قلت : وما ذكره
إمام الحرمين قد حكاه
الأستاذ أبو إسحاق في كتابه عن بعض أصحابنا ، وقال قبله : إن المذهب أنه عام ، ولا يصار إلى غير العموم إلا بدليل .
ويخرج من كلام
ابن دقيق العيد مذهب رابع ، فإنه قال في " شرح العنوان "
[ ص: 120 ] وعندنا أن هذا مختلف باختلاف السياق ومقصود الكلام ، ويعرف ذلك بقرائن ودلائل منه .
وأصل الخلاف أن الألف واللام للعموم عند عدم العهد ، وليست للعموم عند قرينة العهد ، لكن هل الأصل فيها العموم حتى يقوم دليل على خلافه ، أو الأصل أنها موضوعة للعهد ، حتى يقوم دليل على عدم إرادته فيه ؟
وكلام الأصوليين فيه مضطرب ، ومن أخذ بظواهر عباراتهم حكى في ذلك قولين ، وقد صرح بها بعض متأخري الحنفية ، فقال : الأصل هو للعهد الخارجي لأنه حقيقة التعيين ، وكمال التمييز ، ثم الاستغراق لأن الحكم على نفس الحقيقة بدون اعتبار الأفراد قليل الاستعمال جدا ، والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية ، فالاستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج خصوصا في الجمعية ، هذا ما عليه المحققون .
وقيل : العهد الذهني مقدم على الاستغراق بناء على أن البعض متيقن ، وهذا معارض ، فإن الاستغراق أعم فائدة وأكثر استعمالا في الشرع ، وأحوط في أكثر الأحكام ، أعني الإيجاب والندب والتحريم والكراهة ، وأن البعض أحوط في الإباحة ومنقوض بثبوت الماهية ، فإنه لا يوجد بدون الماهية ، وقد جعلوه متأخرا عن الاستغراق بها على أنه لا يفيد فائدة جديدة زائدة على ما يفيد الاسم بدون اللام .
ويظهر أثر هذا الخلاف فيما إذا لم تقم قرينة على إرادة عهد ، في أن العهد مراد أم لا ، هل يحمل على العموم أم لا ؟
[ ص: 121 ] وذكر
الماوردي في كتاب " الأيمان " من " الحاوي " عند الكلام فيما " إذا حلف لا يشرب ماء النهر " أن الألف واللام يستعملان تارة للجنس ، وللعهد أخرى ، وأنه حقيقة فيهما ، فإن قيل : إذا كانت القرينة تصرف إلى العهد ، وتمنع من الحمل على العموم ، فهلا جعلتم العام بالألف واللام مصروفا إلى العهد بقرينة السبب الخاص ، وقلتم : إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ ؟ أجيب بأن تقدم السبب الخاص قرينة في أنه لا يراد لا أن غيره ليس بمراد ، فنحن نعلمه بهذه القرينة ونقول : دلالة هذا العام على محل السبب قطعية ، وعلى غيره ظنية ، إذ ليس في السبب ما يثبتها ولا ما ينفيها .