[ ص: 126 ] فائدة " أل " إذا دخلت على الجمع ]
الثاني : أن
أداة العموم إذا دخلت على الجمع فهل تسلبه معنى الجمع ويصير للجنس ، ويحمل على أقله وهو الواحد ; لئلا يجتمع على الكلمة عمومان أو معنى الجمع باق معها ؟ مذهب الحنفية الأول ، وقضية مذهبنا الثاني ولهذا اشترطوا ثلاثة من كل صنف في الزكاة إلا العاملين ، وقالوا لو حلف لا يتزوج النساء أو لا يشتري العبيد حنث عندهم بالواحد ، وعندنا لا يحنث إلا بثلاثة ، كما نقله
الرافعي في كتاب الطلاق محافظة على الجمع ، ولم ينظروا إلى كونه جمع كثرة حتى لا يحنث إلا بأحد عشر . نعم ، ذكر
الماوردي في باب الأيمان من " الحاوي " أنه لو حلف لا يتصدق على المساكين حنث بالصدقة على الواحد ، بخلاف ما لو قال : لأتصدقن فلا يحنث إلا بثلاثة ، لأن نفي الجمع ممكن ، وإثبات الجمع غير ممكن . وقال
السروجي في " الغاية " : ذكر
ابن الصباغ في الشامل أن اللام إذا دخلت على الجموع تجعلها للجنس كقولنا ، لكن اشتراطهم الثلاثة من كل صنف في الزكاة يخالف ما قاله
ابن الصباغ .
قلت : وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لو حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور ، وقع على العشرة وعند
صاحبيه يحمل على الأسبوع والسنة ، لأنه أمكن العهد ، ولا يحمل على الجنس ، والراجح ما صار إليه أصحابنا ; لأن فيه عملا بالصيغتين ، وهو بقاء معنى اللام ، ومعنى الجمعية ، لأنه المستعمل ،
[ ص: 127 ] قال تعالى {
لا يحل لك النساء من بعد } وقولهم : فلان يركب الخيل .
ويلزم الحنفية أن لا يصح منه الاستثناء ولا تخصيصه وكذلك في اسم الجنس المحلى بالألف واللام .
وقد قال تعالى : {
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس } وقال : {
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى قوله : {
حتى يعطوا الجزية } ولا شك أن الباقي بعد تخصيص
أهل الذمة لا يتناهى .
وقال تعالى {
إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } وقال تعالى : {
وأحل الله البيع وحرم الربا } ، والباقي بعد تخصيص الربا تحت البيع دائر بين الأقل والكل ، وهو كثير ، وأيضا اتفق العقلاء على جواز : جاءني القوم إلا زيدا ، ويلزم منه أن لا يطلق جنس من الأجناس إلا على الفرد الحقيقي أو على كل الجنس ، وهو بعيد ; لأن النحاة أطبقوا على أن المصدر يصلح للقليل والكثير بدون تقيدهم بالفرد الحقيقي أو الكل ، بل أطلقوا ذلك ، وكذلك قالوا : المصدر لا يثنى ولا يجمع لصلاحيته للقليل والكثير فلا يحتاج إلى تثنيته وجمعه .
وقال
ابن المنير في تفسيره : اللام تفيد الاستيعاب ، والجمعية تفيد التعدد ، وما كل تعدد استيعابا ، فإن قلت : أليس يتداخل التعدد والاستيعاب ، فينبغي أن يكتفي بالاستيعاب ، فلا يحتاج مع لام الجنسية
[ ص: 128 ] إلى الجمع ؟ قلت : احتيج إلى صيغة الجمع ، لقطع احتمال التخصيص إلى الواحد ، فالجنس العام المفرد يجوز أن يخصص إلى الواحد ، ولا يجوز في الجمع العام الجنس أن يخصص إلى الواحد ; بل يقف جواز التخصيص عند أقل ذلك الجمع ، ولك أن تقول : الرجل أفضل من المرأة تفضيل للجنس واحدا واحدا ، والرجال أفضل من النساء تفضيل للجنس جماعة جماعة ، وكل واحد منهما لغرض يخصه ، وهذا بالنسبة إلى الإثبات ، وأما في النفي ، فقالوا : إن قوله تعالى : {
لا تدركه الأبصار } إنه للاستغراق دون الجنس ، وأن المعنى لا يدركه كل بصر ، وهو سلب العموم أعني نفي الشمول ، فيكون سلبا جزئيا ، وليس المعنى لا يدركه شيء من الأبصار ، ليكون عموم السلب ، أي شمول النفي لكل واحد ، فيكون سلبا كليا ، كما أن الجمع المعرف باللام في الإثبات لإيجاب الحكم لكل فرد ، فكذلك هو في النفي لسلب الحكم عن كل فرد ، كقوله تعالى : {
وما الله يريد ظلما للعباد } {
فإن الله لا يحب الكافرين } {
إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } وأجاب بعضهم بجوار أن يكون ذلك باعتبار أنه للجنس ، والجنس في النفي يعم ، وبأن الآية الأولى تعم الأحوال والأوقات ، وبأن الإدراك بالبصر أخص من الرؤية ، فلا يلزم من نفيه نفيها .