[ ص: 222 ] المسألة ] السادسة
في أن
المفهوم هل له عموم أم لا ؟ وجهان لأصحابنا ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور أنه عام ، فقال : قال أصحابنا : العموم يكون في الألفاظ والمعاني ودلائل الألفاظ من مفهوم أو دليل خطاب . ا هـ . وظاهر إيراد الأكثرين منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق وغيره أنه ليس بعام ، لأنهم جعلوا العموم من صفات النطق ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبي بكر والغزالي ولهذا منعا تخصيصه لأن التخصيص لا يكون إلا للعام ، وهذا بناء منهم أن دلالة المفهوم قياسية لا لفظية وهو الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى . فإن قلنا : إنها لفظية فلا ينبغي أن يقع الخلاف في عمومه ، والعجب أن
الغزالي من القائلين بأنها لفظية ، وهنا نفى العموم ، وأشار إلى بناء هذه المسألة على أن العموم من عوارض الألفاظ أو المعاني ، فقال : من يقول بالمفهوم قد يظن أن له عموما ، ويتمسك به ، ثم رده بأن العموم من عوارض الألفاظ ، والمفهوم ليست دلالته لفظية ، فإذا قال : في سائمة الغنم الزكاة فنفي الزكاة عن المعلوفة ليس بلفظ حتى يعم أو يخص ، ورد ذلك
[ ص: 223 ] صاحب " المحصول " وقال : إن كنت لا تطلق عليه لفظ العام فلك ذلك ، وإن عنيت به أنه لا يقتضي انتفاء الحكم في جملة صور انتفاء الصفة فذلك من تقاريع كون المفهوم حجة ، ومتى جعلته حجة لزم انتفاء الحكم في جملة صورة انتفاء الصفة وإلا لم يكن للتخصيص فائدة .
قال
القرافي : والظاهر من حال
الغزالي أنه إنما خالف في التسمية ، لأن لفظ العموم إنما وضع للفظ لا للمعنى ، وأما عموم النفي في المنطوق فهو من القائلين به ، لأنه من القائلين بأنه حجة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : إنما أراد
الغزالي أن العموم لم يثبت بالمنطوق به فقط ، بل بواسطته ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وقال الخلاف لا يتحقق في هذه المسألة .
وقال :
الشيخ في " شرح الإلمام " لقائل أن يقول : إن الحال مختلف ، فإن كان محل النطق إثبات ، فالحكم منتف في جملة صورة المخالفة ، وإن كان نفيا لم يلزم أن يثبت الحكم ، لأنه إذا تخلف النطق إثباتا لزم نفي الحكم إذا انتفى عن كل أفراد المخالفة لأنه إما أن يدل على تناول الحكم لكل فرد من أفراد المخالفة أو لا ، فإن دل فهو للأفراد . وإلا فهو دال حينئذ على نفي الحكم عن مسمى المخالف ، ولزم انتفاؤه عن كل فرد ضرورة ، وأن ما سلب عن الاسم مسلوب عن جملة أفراده ، وهذا كتعليق الوجوب بسائمة الغنم ، فإن كان محل النطق إثباتا فيقتضي نفي وجوب الزكاة عن المعلوفة ، وإن
[ ص: 224 ] كان بصفة فذاك وإلا فهو سلب عن مسمى المعلوف ، فيلزم انتفاء الوجوب عن كل أفراد المعلوفة لما بيناه من أن المسلوب عن الأعم مسلوب عن كل أفراده . وأما إن كان محل النطق نفيا كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31233لا يبولن أحدكم في الماء الدائم } ، فإنه يقتضي انتفاء الحكم عن المخالف ، وهو النفي ، فيكون الثابت للمخالف إثباتا ، فإن مطلق الحكم في السوم لا يلزم منه العموم ، كما أن العموم له صيغ مخصوصة لا كل صيغة ، فإذا كان بعض الألفاظ المنطوق بها لا يدل على العموم إذا كانت في جانب الإضافة ، فما ظنك بما لا لفظ فيه أصلا ؟ ومن ادعى أن مقتضى المفهوم أن يدل على العموم في مثل هذا ، احتاج إلى دليل .
وقول
الإمام : ومتى جعلته حجة لزم انتفاء الحكم عن جملة صور انتفاء الصفة ، وإلا لم يكن للتخصيص فائدة . ممنوع ، لأنا إذا علقنا الحكم بالمسمى المطلق كانت فائدة المفهوم حاصلة في بعض الصور ضرورة ، فلا يخلو المفهوم من فائدة ، وفي مثل هذا يتوجه كلام
الغزالي ، قال : فهذه مباحثه ينظر فيها ، ثم بعد ذلك تقول : فقد نأخذ عموم الأحكام في أفراد المخالف من أمر خارج عن دلالة المفهوم ، مثل أن يكون الإجماع قائما على عدم
اقتران الأحكام ، أو يكون الحكم في المخالف ثابتا لمعنى مفهوم لا يختص ذلك المعنى ببعض الأفراد دون بعض .
وقال
الإبياري في " شرح البرهان " : القائل بأن للمفهوم عموما مستنده أنه إذا قال : في سائمة الغنم الزكاة ، فقد تضمن ذلك قولا آخر ، وهو لا زكاة في المعلوفة وهو لو صرح بذلك لكان عاما ، والمقصود أنا
[ ص: 225 ] إذا وجدنا صورة من صور المفهوم موافقة للمنطوق به ، فهل نقول : بطل المفهوم بالكلية حتى لا يتمسك به في غير تلك الصورة ؟ أو نقول : نتمسك به فيما وراء ذلك ؟ هذا موضع نظر ، قال : والأشبه بناء ذلك على أن مستند المفهوم ماذا ؟ هل هو البحث عن فوائد التخصيص كما هو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فلا يصح أن يكون له عموم ؟ وإن قلنا : استناده إلى عرف لغوي فصحيح .
وخرج لنا من كلامه وكلام
الشيخ أن الخلاف معنوي ، وليس الخلاف لفظيا كما زعموا ، وفائدة أخرى ذكرها
الشيخ : وهي أن خلاف أصحابنا في
الماء النجس إذا كوثر بماء ، ولم يبلغ قلتين ، هل يطهر ؟ ينبني على ذلك ، فإن قلنا : له عموم ، لم يطهر ، وهو الصحيح ، ووجه البناء أن قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9720إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس } دل بمفهومه على أن ما دونهما يتنجس بملاقاة النجاسة سواء تغير أم لا ، كوثر ولم يبلغهما أم لم يكاثر ، وإن قلنا : لا عموم للمفهوم لم يقتض الحديث النجاسة في هذه الصورة ، وكذلك الماء القليل الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ، ولم يتغير ، والجديد ينجس والقديم لا ، فيبنى على ما ذكرنا .