[ المسألة ] الثامنة [
مذاهب العلماء في عموم الفعل المثبت إذا كان له جهات ]
الفعل المثبت إذا كان له جهات ليس بعام في أقسامه ، لأنه يقع على صفة واحدة ، فإن عرف تعين إلا إذا كان مجملا يتوقف فيه حتى يعرف ، نحو قول الراوي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62431صلى بعد غيبوبة الشفق } ، فلا يحمل على الأحمر والأبيض ، وكذلك صلى في
الكعبة ، لا يعم الفرض والنفل ، وكذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62432قضى بالشفعة للجار } ونحوه لجواز قضائه لجار كان بصفة يختص بها ، هكذا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15022والقفال الشاشي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16392والأستاذ أبو منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق في " اللمع " و
سليم الرازي في " التقريب " ،
[ ص: 228 ] وابن السمعاني في " القواطع "
وإمام الحرمين ،
وابن القشيري ،
والإمام فخر الدين .
قال
القفال : قول الراوي فعل النبي عليه السلام كذا ، وقضى بكذا وغيره ، لا يجري على عموم ما يدخل تحت اللفظ إلا بدليل ، لأنه إخبار عن فعل ، ومعلوم أن الفاعل لم يشتمل كل ما اشتمل عليه قسمة ذلك الفعل ، ولعله مما لا يمكن استيعاب فعله ، فلا معنى للعموم في ذلك ، بل يطلب على ما وقع فيه أو به ذلك الفعل جميع ما اشتمل عليه المسمى ، فيمضي على عموم اللفظ إلا أن يمنع من ذلك دليل .
قال : فأما إذا روي عنه عليه السلام أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26662قضى باليمين مع الشاهد } وأن رجلا أفطر فأمره بكذا ، فنقول : إن القضية وقعت في شيء بعينه ، وإن الإفطار وقع لشيء منه يوجب طلب الدليل على ما وقع القضاء فيه ، وكان الإفطار به ، ثم ينظر في إلحاق غيره بدليل آخر . انتهى .
قال
الغزالي : وكما لا عموم له بالنسبة إلى أحوال الفعل ، فلا عموم له بالنسبة إلى الأشخاص ، بل يكون خاصا في حقه ، إلا أن يدل دليل من خارج ، كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } وقيل : ما ثبت في حقه فهو ثابت في حق غيره ، إلا ما دل عليه دليل أنه خاص به ، وهو فاسد .
قال
ابن القشيري : والحاصل أنا لو تحققنا أن القضاء فعل ، فليس بعام ،
[ ص: 229 ] وإن كان لفظا ، فإن اختص بشخص معين في خصومة بعينها فكذلك ، إلا أن يقوم دليل على العموم ، فإن كان لفظا عاما في وضع اللغة تمسكنا بعمومه ، وكذا الذي يقتضيه تصرف أصحابنا . وقد قال
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة في تعليقه " وغيرهما : وقد ذكروا أن الجدة لا ترث مع ابنها ، وأورد الخصم عليهم أن النبي عليه السلام ورث جدة وابنها حي فأجابوا بحمله على صورة خاصة ، أو ككونه قاتلا ، أو مملوكا أو كافرا ، أو كان ابنها خالا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة وليس قوله : " ورث " عموما ، لأن ذلك قضية ، والقضية لا تصلح أن تكون في نوعين مختلفين ، وإنما يقال : عموم في الألفاظ . انتهى . هذا ما وجدته لقدماء أصحابنا ، وأما كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه ، فإنه يقتضي تخريج قولين له في هذه المسألة ، قال في " الأم " مجيبا عن قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32409لعن الله المحلل والمحلل له } فقال : ونكاح المحلل الذي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا - والله تعالى أعلم - ضرب من نكاح المتعة ، لأنه غير مطلق . ا هـ .
وهذا يقتضي أنه لا عموم له انتهى . وذكر في موضع آخر ما يقتضي أنه عام ، فإنه احتج على تأجيل الدية على العاقلة ثلاثة سنين في الذكر والأنثى بحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62433ضرب العقل على العاقلة في ثلاث سنين } ، قال
الإمام في " النهاية " : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في بعض مجاري كلامه : لم ينقل النقلة واقعة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب العقل فيها على العاقلة إلا المرأتين ، فأمكن من ذلك أن يضرب عقل المرأة على العاقلة في ثلاث سنين ، ثم إذا قلت ذلك اطرد فيه أن بدل كل نفس مضروب
[ ص: 230 ] في ثلاث سنين ، يعني سواء كان الواجب فيه الدية كاملة كالرجل أو نصفها كالمرأة ، قال
الإمام : ويمكن أن يقال : قول الراوي : " قضى " تأسيس شرع منه ، وليس تمهيدا في قضية ، ولم ينقل على التخصيص والتفصيل في قضية الجاريتين ، فيضرب العقل على المرأة في ثلاث سنين . انتهى . وأطلق
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب أن الفعل المثبت ليس بعام في أقسامه ، ثم اختار في نحو قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4550نهى عن بيع الغرر } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87703وقضى بالشفعة للجار } أنه يعم الغرر والجار مطلقا ، وقد سبقه إلى هذا شيخه
الإبياري ، فإنه ذكره في " شرح البرهان " سؤالا ،
والآمدي بحثا ، فارتضاه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وأقامه مذهبا ، وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=12748ابن الساعاتي في " البديع " . وقال
ابن دقيق العيد في " شرح العنوان " : اختار بعض الفضلاء وكأنه يريد
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب - عموم نحو {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62432قضى بالشفعة للجار } بناء على عدالة الصحابي ، ومعرفته باللغة ، ومواقع اللفظ ، مع وجوب أن تكون الرواية على وفق السماع من غير زيادة ولا نقصان . ومنهم من قال : لا يعم ، لأن الحجة في المحكي ، ولا عموم في المحكي .
قلت : ونقله
الآمدي عن الأكثرين ، وسبق ما يؤيده ، وصححه في " المحصول " .
وقال
الشيخ تقي الدين : وهذا لا بد فيه من تفصيل ، وهو أن المحكي فعلا لو شوهد لم يجز حمله على العموم ، فلذلك وجه ، وإن كان فعلا لو حكي لكان دالا على العموم ، فعبارة الصحابي عنه يجب أن تكون مطابقة للمقول لما تقدم من معرفته وعدالته ، ووجوب مطابقة الرواية المعنى المسموع . ا هـ .
[ ص: 231 ]
وقد اختار
القاضي في " التقريب " قريبا من هذا ، فقال : والأقرب في هذا عندنا أن الصحابي العالم باللسان إذا قال : إن النبي عليه السلام عبر عن إثبات معنى وحكم ليس له في اللسان ألفاظ محتملة قبل ذلك بمثابة روايته اللفظ وإن ذكر عنه معنى وهو مما له عبارة محتملة وجب مطالبته بحكاية اللفظ . ا هـ .
ويشهد لهذا أن
القرافي جعل هذه المسألة مبنية على جواز
رواية الحديث بالمعنى ، فإن منعناه امتنعت المسألة ، لأن " قضى " ليس هو لفظ الشارع ، وإن جوزنا وهو الصحيح ، فشرطه المساواة فإذا روى العدل اللفظ بصيغة العموم " كالغرر " ، وجب أن يكون المحكي عاما ، وإلا كان ذلك قدحا في عدالته حيث روى بصيغة العموم ما ليس عاما ، فلا يتجه قولنا الحجة في المحكي لا في الحكاية ; بل الحجة في الحكاية ، لأجل قاعدة الرواية بالمعنى . وفي المسألة مذهب رابع وهو التفصيل بين أن يتصل به الباء فلا عموم له ، كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62432قضى بالشفعة للجار } ، فلا يدل على ثبوتها لكل جار ، بل يدل على أن الحكم في القضية دون القول ، وبين أن يقترن بحرف " أن " ، فيكون للعموم ، كقوله : ( قضى أن الخراج بالضمان ) ، لأن الظاهر من ذلك حكاية لفظه عليه السلام ، فلذلك صح دعوى العموم فيها ، حكاه
القاضي في " التقريب والإرشاد " ،
nindex.php?page=showalam&ids=16392والأستاذ أبو منصور nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق في " شرح اللمع "
والقاضي عبد الوهاب وصححه ،
[ ص: 232 ] وحكاه عن
أبي بكر القفال وأصحابنا . وفي نسبة ذلك
للقفال نظر لما سبق من كلامه . وجعل بعض المتأخرين النزاع لفظيا من جهة أن المانع للعموم ينفي عموم الصيغ المذكورة ، نحو " أمر ، وقضى " ، والمثبت للعموم يثبته فيها من دليل خارج ، وهو إجماع
السلف على التمسك بها بقوله : ( حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ) ، والأقرب أن التعميم فيها حاصل بطريق القياس الشرعي كما قاله
أبو زيد الدبوسي ، فإنا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم حكم بقضاء في واقعة معينة ، ثم حدثت لنا أخرى مثلها - وجب إلحاقها بها ، لأن حكم المثلين واحد . ويتحصل حينئذ في المسألة خمسة مذاهب .