مسألة [
الاستثناء من الاستثناء ]
يصح الاستثناء من الاستثناء وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في " المحصول " عن بعضهم منعه ، وقال صاحب الذخائر في باب الإقرار : حكى بعض الفقهاء عن بعض أهل العربية منعه لأن العامل في الاستثناء الفعل الأول بتقدير حرف الاستثناء ، ولا يعمل عامل في أحد المعمولين .
ولنا قوله تعالى : {
إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته } قال
أبو عبيد وغيره : استثنى الآل من القوم ، ثم استثنى امرأته .
قال
القاضي مجلي في " الذخائر " في كتاب الطلاق : وذهب الأكثرون إلى أن الأول استثناء منقطع ، ولم يحك
الزجاجي سواه ، ووجهه أن الله تعالى قال : {
إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } أي لإهلاكهم ، فلا يصح استثناء آل
لوط ; منهم لأنهم ليسوا من المجرمين بل هو كلام مستأنف معناه لكن آل
لوط ، فإنهم منجون . ثم قال :
[ ص: 408 ] إلا امرأته استثناها من المنجين وجعلت من الهالكين ، فتكون مستثناة . قال : وهذا قدح في الاستدلال بالآية ، لكن الدليل على الجواب لسان
العرب .
وقد ترجم عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : باب تثنية المستثنى إذا ثبت ذلك ، فتقول : الاستثناءات المتعددة إن كان البعض معطوفا على البعض كان الكل عائدا إلى الأول المستثنى منه ، وأسقط المجموع من العدد ، ويلزم الباقي نحو : له علي عشرة إلا أربعة ، وإلا ثلاثة ، وإلا اثنين ، فيلزمه واحد . هكذا أطلقه الأستاذ
أبو إسحاق ،
وأبو منصور .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه : هذا إذا كان المجموع ناقصا عن المستثنى منه فإن كان مساويا أو أزيد بعضها أو مجموعها ، فإن حصلت المساواة بالاستثناء الأول فلا شك في فساده ، وإن حصلت بالأول والثاني مثلا ، وكان الثاني مساويا للأول ، وقد تعذر رجوعه مع الأول المستثنى منه ، وتعذر رجوعه إلى الثاني بالعطف والمساواة فيفسد لا محالة . وهل يفسد معه الأول أيضا حتى لا يسقط من المستثنى منه شيء ، أم يخص الثاني بالفساد ، لأنه نشأ منه ؟ فيه احتمالات . قال
الهندي : والظاهر الثاني ، وإن كان الثاني أنقص من الأول ، تعارضا
أما إذا لم يكن البعض معطوفا على البعض ، فنقل
الأستاذ أبو إسحاق وأبو منصور إجماع أصحابنا على رجوع الاستثناء الثاني إلى الأول ، ويوجب ذلك الزيادة في الأصل كقوله : له علي عشرة إلا درهمين إلا درهما ، فأسقط من الدرهمين اللذين استثناهما من العشرة درهما ، فيبقى درهم ، فيلزمه تسعة .
وكذا قال
سليم في " التقريب " : يرجع كل واحد إلى الذي يليه ، فإذا قال : له علي عشرة إلا أربعة ، إلا ثلاثة ، إلا اثنين إلا واحدا ، لزمه ثمانية .
[ ص: 409 ] وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه : يرجع كل واحد منها إلى الذي يليه ، فإن كان الأول إثباتا كان هو نفيا ، وإن كان نفيا كان هو إثباتا ، فإذا قال : أنت طالق خمسا ، إلا أربعا إلا اثنتين إلا واحدة طلقت طلقتين ، لأن قوله : خمسا إثبات . وإذا قال : إلا أربعا كان نفيا ، تبقى واحدة . فإذا قال : إلا اثنين فيقع عليها ثلاث ، فإذا قال إلا واحدة كان نفيا فيبقى طلقتان . ا هـ .
قلت : لكن لا إجماع ، فقد حكى
الرافعي عن
الحناطي احتمالا فيما لو قال : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة ، فإنه يحتمل عود الاستثناء الثاني إلى أول اللفظ ، أعني المستثنى منه .
قلت : وهو قوي ، فإن الأول ليس له مأخذ غير القرب ، وهو لا يوجب ذلك ، إنما يقتضي الرجحان .
قال
الإمام فخر الدين هذا إذا كان أقل من الأول . يعني كما دل عليه أمثلتهم . فإن كان الثاني أكثر من الاستثناء الأول أو مساويا له عاد الكل إلى المتقدم ، وهو المستثنى منه ، نحو علي عشرة إلا اثنتين إلا ثلاثة إلا أربعة ، ويلزمه واحد ، وتبعه في " المنهاج "
وقال صاحب " الذخائر " : هذا إذا كان الاستثناء الثاني مما يمكن إخراجه من الأول ، فإن لم يمكن فإن الثاني لغو . ويعمل الأول . فإذا قال : أنت طالق ثلاثا إلا طلقة إلا طلقة لغا الثاني ، وصار كقوله ثلاث إلا طلقة ، فتطلق طلقتين . وكذلك إذا كان الثاني أكثر من الأول ، كقوله : ثلاثا إلا طلقة إلا طلقتين يلغى قوله طلقتين . قال : هذا مقتضى المذهب .
وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي عن أهل اللسان في هذا المحل قولين : أحدهما : إعمال الاستثناءين لجعلهما بمثابة استثناء واحد ، حتى لو قال : علي عشرة إلا درهما إلا درهما يسقطان من العشرة ويصير مقرا بثمانية .
وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه إذا قال : ما أتاني إلا زيد إلا عمرو يكونان
[ ص: 410 ] جميعا أتياه . فعلى هذا إذا قال : أنت طالق ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة ، تطلق طلقة . وإذا قال : ثلاثة إلا طلقة إلا طلقتين . تطلق ثلاثا ، كقوله ثلاثا إلا ثلاثا .
وحكي عن
الفراء أنه إذا كان الثاني أكثر من الأول كقوله : علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة أن الثاني يكون منفيا ، كأنه قال : علي عشرة إلا ثلاثة ، بقيت سبعة . ثم قال : إلا أربعة ، فيضاف إلى السبعة . فيصير أحد عشر ، فعلى هذا ومثله الطلاق مع الثلاث ، لأنا إذا أضفنا الاثنين في الاستثناء الثاني إلى ما بقي من الثلاث بعد الاستثناء الأول صار أربعا ، ثم بقيت الثلاث . انتهى .
وما نقله عن
الفراء ، حكاه غيره ، وأنه إذا قال له : علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة ، تكون الثلاثة مستثناة من العشرة ، فيبقى سبعة . ويزال منها أربعة ، فيكون المقر به ثلاثة ، وذكر
الرافعي في كتاب الإقرار فيما إذا قال : له علي عشرة إلا خمسة إلا خمسة ، لزوم عشرة ، لأن الثاني مستغرق للأول فيلغيه . وذكر فيه أيضا فيما إذا قال : له علي عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة أن الثاني يكون توكيدا ، وحكى فيه في كتاب الطلاق وجهين من غير ترجيح : أحدهما : هذا .
والثاني : يلزمه عشرة ، لأن الاستثناء من النفي إثبات . أما إذا كان الاستثناء الأول مستغرقا للمستثنى منه دون الثاني لأنه من باطل ، يلزمه أربعة ، ويصح الاستثناءان ، لأن الكلام إنما يتم بآخره . قال
ابن الصباغ وهذا أقيس .
والثالث : يلزمه ستة لأن الأول باطل . والثاني : يرجع إلى أول الكلام .
قلت : والثاني هو نظير ما صححوه من الطلاق في أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين أنه يقع اثنتان .